-موقع الاستقلال- في ال30 يوما الأولى من تولي لوزارة الخارجية، حمّلني رئيس الجمهورية رسالة شفهية إلى أحد الرؤساء الأجانب. وأوصاني بإبلاغ رسالته بسرية تامة، وحثّ على أن أكون منفردًا مع الرئيس المعني.
وأكّد على ذلك أكثر من مرة. وكنت ساعتها أخطو خطواتي الأولى، وعلاقتي بالرئيس معاوية مزيج من الهيبة والرهبة والحب.
حملت حقيبتي وسافرت. وجدت في استقبالي لدى سلم الطائرة سعادة السفير، وهو أحد الإخوة الأعزاء وعنوان بارز في سجل الدبلوماسية الموريتانية.
وفي الطريق، أخبرني بأنه رتّب لإقامتي في بيته العامر بدل الفندق وبأن موعدنا غدا مع الرئيس بحول الله. حضرنا في الوقت المحدد إلى مبنى الرئاسة ووجدنا في استقبالنا عمال المراسم الذين رافقونا إلى بوابة مكتب الرئيس. هنا، ألتفتُ - ببراءة - إلى سعادة السفير، وقلت له دون سابق إنذار: دعني أدخل وحدي!؟
فوجئ سعادته كما فوجئ الجميع من هذا الموقف الغريب والمخالف لكل الأعراف والعادات الدبلوماسية والأخلاق..
دخلت وحدي، و شعرت بالذنب عندما رأيت الرئيس مندهشا ومذهولا يشير لمعاونه بالخروج. بلّغتُ الرسالة وأنا أرتجف و أرتعش. وخرجتُ في حالة لا توصف من التموُّج والاضطراب.
قضيت يومي وبت ليلتي في أقصى ما يكون من الندم والتحطيم. يؤرقني ضميري، وذهني يدور في حلقة مفرغة رغم مساعي السفير للتخفيف عنّي. كان طِوال الوقت يداعبني ويبحث عن الحجج والذرائع، ويقول لي: "لا عليك، الأمر بسيط! رئيس الجمهورية يسيّر دبلوماسيته على نحو ما يريد، وهذا عادي، إلخ..."!
اليوم أعتذر عن ذلك الخطأ الذي لا زال يؤرقني حتى الآن. أعتذر للرئيس ولسعادة السفير والأخ العزيز، و أعتذر "للدبلوماسية" من حيث كونها علما وفنا وممارسة وذوقا رفيعا.