-موقع الاستقلال- " تلقيت قبل أسابيع خبرا طيبا ؛فحواه أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سأل عني ؛ وأمر باستدعائي للقصر لمقابلة فخامته ، لكن اللقاء تأخر لأسباب بروتوكولية تتعلق بانشغالات الرئيس.
كنت قررت المكوث بالبادية في هذه الفترة المميزة من موسم الخريف في بلادنا ؛ لكنني عدت للعاصمة الاثنين الماضي بسبب الموعد الرئاسي المحتمل ، ومكثت فيها حتى ضحى الأربعاء30/9/2020 حين عدت قافلا للبادية.
لكنه بعيد وصولي ظهرا لقرية ملك لمراير شمال اركيز وردني اتصال هاتفي بضرورة التوجه للقصر الرئاسي لمقابلة فخامة رئيس الجمهورية فورا ، فاضطررت للعودة للعاصمة فورا .
إن مقابلة الشخصيات القيادية تحتاج تحضيرا جيدا عادة ؛ ليس ترتيب الأفكار والأولويات فحسب ، وإنما العمل على التعرف أكثر على خصوصيات من ستقابل منهم ؛ وذلك ما أفعل دائما؛ لاسيما إن كانت الشخصية القيادية بوزن رئيس جمهورية .
لقد قرأت كثيرا عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قبل انتخابه رئيسا وبعد ذلك ؛ وسعيت بهدوء للتعرف على سلوكه مع مرؤوسيه ومحيطه في مراحل شتى تولى فيها مناصب سامية متنوعة.
وكانت حصيلة ماخرجت به من ذلك البحث أنه محبوب فعلا لدى الجميع وأنه مثقف واسع الإطلاع ؛ لكن الإشكالية الوحيدة التي استمعت لشرح لها من بعض المعارف من الضباط المتقاعدين هي أنه لايستطيع أحد التمييز بين لحظة الرضا عنده ولحظة الغضب ؛ فهو في كل الحالات هادئ ودود دمث الخلق ؛ وأردف أحدهم قائلا ؛ قلة قد تلاحظ غضبه من خلال تغير لون وجهه إلى الاحمرار .
وزاد أحدهم شرحا حين قال لي ؛ هل تعلم أن مقر كتيبة المدرعات مثلا لم يشيد فيه سجن عسكري لتأديب الضباط الذين قد يرتكبون مخالفات تقتضي توقيفهم لأيام ؛ ولما استفسر أحدهم عن ذلك قال له غزواني : ليس من بين ضباطي من يحتاج تأديبا أو انضباطا فكلهم في قمة الانضباط.
كما سمعت الكثير عن الرجل من حيث تمسكه بالقيم وطابع شخصيته الجدية ؛ وحرصه على مشاعر الناس من حوله .
كنت مرهقا وكان الطريق المعبد بين اركيز وتكند باتجاه انواكشوط بحالة ممتازة لله الحمد؛ إلا أن كثرة الحيوانات السائبة تحد من السرعة ؛ وأنا أدير أفكاري يمينا ويسارا ؛ فأنا متجه مباشرة للقصر الرئاسي.
خففت من ضغط اللحظة وبريقها بالعودة للبعد الرباني ؛ فقررت أن اندمج مع مدرسة الباقيات الصالحات من خلال اللجوء لذكر ربي عز وجل والصلاة والسلام على سيدي رسول الخير ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ؛ والاتكال على ربي الملك الحق وتفويض أمري إليه سبحانه ؛ فانزاح هم التفكير في المقابلة.
دخلت العاصمة وبذلت جهدا مضنيا لعبور المسافة من المدخل الجنوبي باتجاه قصر الرئاسة ؛ فتلك الجهة تحتاج أكثر من مدخل للعاصمة ؛ لما تشهده من ازدحام شديد غالبا.
وصلت السادسة والربع بعد عصر الأربعاء لبوابة القصر ودخلت بسيارتي لأركنها في المكان المخصص للزوار .
ولكي لا تذهب بي النفس بعيدا في بريق الدنيا لجأت إلى الروح لتكشف لي حقيقة اللحظة ؛ فاستخدمت قياساتها للزمان والمكان ؛ فإذا بالقصر الرمادي على اتساع مساحته لايمثل شيئا من ملكوت ربي الواسع ؛ وإذا بكل ذرة من هذا الملكوت لا شريك في الهيمنة عليها لأحد ؛ فربي العزيز الحكيم لايشرك في ملكه أحدا ؛ وإذا بزمن الدنيا كله لايعدل شيئا من زمن القيامة الأبدي ؛ فلا عز في الدنيا يدوم ولا متعة ؛ ولاهم ولاغم ؛ ووجدتني أكرر سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ؛ سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والأرض بالعزة والجبروت.
كان الشباب المميز من الحرس الرئاسي يرحب بي عند كل مدخل ليدلني على المدخل التالي حتى دخلت قاعة الانتظار قريبا من المكتب الرئاسي .
كانت هناك شاشة بلازما أنيقة مثبتة على الجدار ؛ تبث تلاوة هادئة من أواخر سورة النساء ؛ أنصت إليها لمدة 10 دقائق ؛ ثم دعاني أحدهم للدخول على فخامة الرئيس بمكتبه.
سلمت فرد السلام وقام واقفا تقديرا لي جزاه الله خيرا ؛ مع ابتسامة ؛ وجلس فجلست على مقعد مقابله ؛ واستمعت لفخامته يعتذر عن تأخر اللقاء ؛ فقد سبق هذا اللقاء لقاء صدفة جمعنا قبل أكثر من عام التزم لي فيه باللقاء معه في أول فرصة ؛ كنت حريصا أن لا أطيل الحديث ؛ فصلاة المغرب وقتها يوشك أن يدخل ؛ ولدي علم مسبق ان فخامته يتجه للمكتب الرئاسي مبكرا ( الساعة السادسة صباحا ) ويستمر في العمل حتى الساعة العاشرة ليلا ؛ فشكرته على ماخصني به من استقبال ودي ؛ خاصة أنني صاحب حاسة سادسة لله الحمد ؛ فقراءة خواطر من يحدثني من خلال ملامح وجهه ؛ نعمة أنعمها الله علي ؛ له الحمد والشكر.
كان أول ماتطرقت له هو نقل تحيات أسرة أهل بونا له ؛ وطلبهم أن يخلد اسم العلم العلامة المختار ولدبونا ضمن كوكبة أعلام ورموز والوطن ؛ فقاطعني فخامته قائلا : العلامة المختار ولد بونا رحمه الله (مايكرالي ) واستدار لليسار نحو الهاتف واتصل بشخصية قريبة منه في الرئاسة قائلا : أرجو أن تفكر مع الوزير الأول في مايناسب لإطلاق اسم العلامة المختار ولدبونا عليه ؛ رحمه الله.
ثم انتقلت لطلبي الأهم الثاني؛ قائلا : سيدي الرئيس أرجو أن لايتم تعييني في منصب عام ؛ فأنا مستعد لخدمة بلدي من مركزي الشخصي بمالدي خبرات متواضعة وعلاقات دولية ؛ وكرجل أعمال لا كموظف.
تبسم وقال لا مانع أن يخدم أي مواطن بلده من منصب رسمي إذا توفرت فيه الشروط ؛ وأردف قائلا : وأنت تكتمل فيك الشروط ؛ واسترسل في الحديث لي عن شخصية وطنية أقامت فترة طويلة بالخارج وعادت لتتقلد منصب وزير ؛ كان ذلك في عهد ماض.
قلت له يافخامة الرئيس نحن في البلد نعاني من التعلق بالتعيين وبالمناصب دون مردودية انتاجية تفيد الجميع ؛ وأرى أن التركيز على نهضة اقتصادية حقيقية هو الحل الأمثل لوضع بلدنا الاقتصادي .
ولابد من تفعيل دور القطاع الخاص لخلق فرص عمل أكثر تتناسب مع زيادة الانتاج.
وذكرت رؤوس أقلام تتعلق بمجالات اقتصادية عديدة ؛ وأردفت ؛ سيدي الرئيس لا تناسب الإطالة في ذلك وسأعد اكثر من ورقة عن قطاعات يمكن تطويرها وجلب مستثمرين لها بمسطرة تحفظ مصالح بلدنا وشعبنا ؛ كالقطاع البحري وقطاع الزراعة والتنمية الحيوانية.
تناول فخامته الحديث وكان واعيا لدقائق الموضوع ؛ فتحدث عن قصور في مجال الزراعة وفي انتاج الاكتفاء الذاتي من الحليب ومشتقاته رغم ثرواتنا الخام الضخمة من الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية ؛ وعن تصميم لديه على بذل كل جهد للنهوض بتلك القطاعات .
وتحدث عن مسؤولية الدولة عن التكوين والتأطير والتشغيل ؛ وعن وجود خلل في التوازن المنشود بين القطاعين العام والخاص ؛ فالعالم اتجه منذ عقود للخصخصة ؛ وتحرير السوق ؛ والقطاع الخاص الذي لا يعزز صادرات الوطن ولا يخطط لخلق قيمة مضافة ؛ ولايخلق فرص عمل ؛ ليس إلا عالة القطاع العام !
أحسست بثقل الهم الاقتصادي لدى فخامته وتصميمه على خلق جو صحي اقتصاديا يمنح فرص المنافسة للجميع ؛ ويؤسس لنهضة اقتصادية بلدنا بحاجة ماسة لها.
كنت شخصيا أفكر في الطريقة الأمثل لإنهاء اللقاء ؛ ففخامة الرئيس بجلني بأسلوب ودي بعيدا عن البروتوكول ؛ وفهمت من شرحه التفصيلي لجوانب من المواضيع أنه حريص على ايصال أفكاره لمحدثه بتواضع جم وصدق إرادة.
قلت له يافخامة الرئيس أنا لست طالب وظيفة لكن خططي للعمل في مجال التجارة وخدمات الاستثمار تحتاج دعمكم الدائم.
قال فخامته : تأكد أنني
سأدعم كل جهودك لخدمة الوطن ؛ وتأكد أن كل شيء لابد أن يمر عبر المساطر القانونية بكل شفافية.
وفي حديثه عن قطاع معين قال في سياق كلامه ( صديقي محمد ولد عبد العزيز )
فلم أعقب على ذلك ؛ فلست ممن يدخل بين " الأصدقاء" ولامن ينفخ في رماد التنابز والبغضاء .
قلت لفخامته أسأل الله أن يعينك على مهمتك الصعبة في قيادة البلد.
وتبادلنا عبارات الوداع على أمل اللقاء مرات أخرى بإذن الله العزيز الحكيم".
عبد الله ولد بونا