" الكثيرون ممن أناقش معهم الأوضاع السياسية في موريتانيا بدأ يدّب في نفوسهم خدَر اليأس من أن ضوءً شارداً قد يتراءى في نهاية النفق، المعتم كليالي جمادى ذات الأندية.
قد تكون لولد الغزواني حساباته الخاصة، التي تقتضي أن يمشي الضّرَاءَ لغاية ربما يدرك خفاياها أكثر من غيره، وقد يكون مدارها على محاصرة ولد عبد العزيز و تقليم أظافره و احتواء المقربين منه، و على أن يأتي أرضه ينقصها من أطرافها، فيبقي على قروش بحر فساده متلاطم الأمواج، و يتجول رفقة أحميده ولد اباه في الشانزليزيه، و يسأله مفاكهاً: هل أفادته السجائر الألكترونية في الإقلاع عن التدخين؟!. و يجتمع لما يربو على ثلاث ساعات بالأفوكاتو جمال ولد الطالب، ثم يصطحبه معه لاقتحام بلاط السانت جيمس، و يضع حبل "سنيم" على غارب "ولد اجاي، و خطام النفط و الطاقة في كف ولد عبد الفتاح، ثم يبادل كأوراق الجوكر محافظ البنك المركزي و مساعده المسؤولين عن التحويلات و التلاعب بقوانين و ضوابط النظام المصرفي و عن تبييض أموال ولد عبد العزيز، التي يقتنيها من مصادر غير شرعية، فيبوء أحدهما بوزارة الاقتصاد و الآخر بالبنك المركزي.
لاشيء منذ أن وصل ولد الغزواني للسلطة يستشف منه ولو من خلال ثوب أبرقَ أن أمراً تغير، في الحكامة و التسيير و ممارسة السلطة.. و "صدق التالي بصدق المقدم"، كما يقول المناطقة. فلا تغيير في التوجه و لا في الوجوه، و لا أمل في أن يجأر أبو الهول أو يجهر.
لم نتوقع أن يحكم ولد الغزواني بغير محيطه و أولياء ثقته، فإذا به يحكم بمحيط ولد عبد العزيز و أوليائه.. و لم نتوقع أن يمسح الطاولة و يستجلب مساعدين له من المريخ، و لكننا استصوبنا أن يعتمد على الصف الثاني من أنصار النظام السابق، الذي هو جزء منه، فيمسك عصى التغيير من منحنى الواقعية و الراديكالية. فإذا به يصلح الشأن بمن أفسده، و يرأب الثلمة بمن صدعها..
و لا تلين إذا قوّمتها الخُشب.!
صدق الممثل الأمريكي العجوز بيل كوسبي حين قال "إن بداية الفشل هي محاولة إرضاء الجميع" و كذب ولد عبد العزيز حين قال في مقابلته مع تقدمي: "إن ولد الغزواني يحاول إرضاء الجميع". فالحقيقة أنه إنما يحاول إرضاء الفاسدين و اللصوص و المتنصتين على الهواتف، المطلعين على عورات المواطنين. أما المناضلون، الذين ضحوا من أجل هذا الوطن و ذادوا عن حياضه، المتعففون عن المال الحرام، الذين يعصبون الحجر على بطونهم، و يبيتون على الطوى منتظرين كريم المأكل، فإنما يحقنهم بنجاً و يدخنهم قنبا هندياً، و يسقيهم نفيع "سمسم"، ثم يعزف لهم قيثارة الفارابي فيضحكون ثم يبكون ثم يغطون في سبات أبدي.
و لعل اعتقال المدون محمد عالي ولد عبد العزيز و المخرج التلفزيوني عبدو ولد تاج الدين دليل على أننا نستقبل استدباراً في "الحقوق" و تراجعا في الحريات.
لم يكن من أشار على ولد الغزواني بتوقيف مدون و مخرج تلفزيوني ناصحاً له، بل ربما تستبطن نصيحته هذه خبيئة خبيثة، فلن يزيد توقيفهما نظام ولد الغزواني إلا بما ينقصه، حيث سينعكس سلبا على صورته المقبولة في الداخل و الخارج، و سيجعل مؤشر "حرية التعبير في البلاد" يتهاوى كعملاق رجلاه من صلصال. و سيخرج المدون و المخرج من زنزانتهما الضيقة، الملتهبة كصفائح كديتُ الجل، ليجدا في بلاد تموت من البرد حيتانها "لجوءً سياسيا" و رغيف خبز.
إن المتابعة الأمنية و القضائية على أساس الرأي و الموقف السياسي لم تجدِ القذافي نفعاً، و لا أفادت يحى جامبى، و لا أدامت حكم موبوتو و لا أمين عيديد و لا مونغيستو هيلي مريام، و لكن التسامح مع المعبرين عن آرائهم و الصادعين بأفكارهم و مواقفهم كانت السبب في الرخاء المادي و المعنوي الذي تشهده دول الغرب.
لا أريد أن يقال إن ولد الغزواني أسدٌ على مدون و مخرج نعامةٌ أمام لصوص المال العام، الذين بقوا في مناصبهم بدلَ أن يسجنوا، و قد دانتهم تقارير محكمة الحسابات. فقد يكون اعتقال المدون محمد عالي وسيلة لإضافة جريمة التحريض على العنف لملف الرئيس السابق من خلال انتزاع تصريحات بذلك من محمد عالي، و قد يكون في توقيف مخرج في "قناة الساحل" التي يملكها مقربون من ولد عبد العزيز مأربٌ ببتر ذراعه الإعلامية، و لكنه رغم أهمية متابعة ولد عبد العزيز قضائيا فإن الديكتاتوريات وحدها تبرر غاياتها وسائلها، و تستهتر بحقوق مواطنيها لتحقيق وطر سياسي لا يتعدى نفعه و ضرره الحاكم.. إنه كمن يجعل من إشعال صغار الحطب وسيلة لإضرام النار في كباره.
أتمنى أن يعيد ولد الغزواني الحلم لمن دغدغت أنامله مشاعرهم يومَ سلّمه السلطة خلْف أراق الصبابة الراسبة في قرارة كأس الأمل.. و أن يلوّح للعاشين لضوء رجائهم فيه قمراً لا ضوءَ حباحب.. و أن يتعود -قبل أن يتضافر عليه من يألهونه- أن يستمع لمن يبكونه و ليس لمن بضحكونه.. فمن لا يذرف دموعه الآن حسرة على واقع البلاد المرير لا يستحق أن يعيره الرئيس سمعه.!
الله غالب.!".
حنفي ولد دهاه