" يتجاهل كثير من المهتمين بالشأن السياسي الوطني البنية السياسية الواقعية ببلدنا حين يتحدثون عن تيارات سياسية او عن أحزاب يختلقون لها دورا محوريا في مواسم الانتحابات ؛ خاصة الانتخابات الرئاسية.
لاوجود بموريتانيا لما يمكن أن يجسد ملامح تيار سياسي أو حزبي في الوقت الراهن ؛ فالانتخابات الرئاسية الأخيرة (2019) كان العامل القبلي والجهوي والعرقي هو الحاسم فيها ؛ وكانت مراكز النفوذ المحركة لتلك الخيوط هي مركز النفوذ الرئاسي ثم مركز نفوذ نخبة المؤسسة العسكرية ثم مركز نفوذ رجال الاعمال ؛ثم المحركات القبلية والجهوية والعرقية ثم ياتي في الترتيب الأخير الدور الحزبي الهش في موريتانيا.
ولو قمنا بعملية تفكيك عميق للقوة السياسية التي صعدت السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا لاتضح لنا أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لم يكن مطلقا هو الرافعة الانتخابية للرئيس غزواني.
لقد حل المرشح غزواني ثانيا وثالثا في دوائر انتخابية يفترض أن بها شخصيات وازنة من حزب الاتحاد ؛ ولو لا الحملات القبلية الموازية التي وظفت كل الروابط الداخلية بين المجتمع دعما لغزواني لماكان الحسم في الشوط الاول ؛ ولولا حملات نظمها خواص من نخبة الجيش والأمن ومن الشخصيات الوازنة تقليديا لكان هناك شوط ثان.
في الجهة المقابلة كان هناك اتفاق سري بعده عرقي وشرائحي بين بيرامه وجبهة كان حاميدو بابا وحركة افلام العنصرية يعبئ الناخبين عرقيا ؛ وذلك ما منح ببرامه تقدما على حساب مرشح تواصل ومن حالفه من المغاضبين لحزب الاتحاد ومن الناقمين على الرئيس السابق ولد عبد العزيز.
لقد كان سقوط المعارضة الراديكالية مدويا (تحالف التكتل واليسار التقدمي) وكان مؤشرا على سلبية أداء المعارضة الراديكالية طيلة العقد المنصرم ؛ ولم يتمكن تواصل من إثبات ذاته كحزب متماسك يمثل تيار ( الإسلام السياسي ) ولا الذين انسحبوا عنه نجحوا في تشكيل تيار يوازيه ؛ ولم يكن للطرفين كبير تأثير في العملية الانتخابية الرئاسية.
مايجري الآن هو محاولة ابتزاز سياسي للرئيس غزواني او محاولات تشويش عليه ؛ وهناك مايمكن اعتباره محاولات اختبار لصرامة الرجل وجديته.
حزب الاتحاد يدعي نصرا لم يصنعه ؛ والشخصيات الحزبية المنضمة لحلف الرئيس قبيل الانتخابات او المنشقة عن المعارضة تدعي شراكة في النصر أكبر من دورها الفعلي ؛ والتحالفات القبلية والجهوية تأمل ثمنا سياسيا على قدر دورها المحوري فعلا.
وحصيلة المعارضة الانتخابية ذات الطابع العرقي تضغط بها لخلق واقع سياسي متوتر يخدمها .
وتوزيع أخبار عن تسلل متطرفين للعمق الموريتاني ؛ وعن خلل ما في عمق القوة المالية للدولة وغير ذلك.
كل ذلك لم يؤثر على مايبدو على الرئيس غزواني ولم يفقده توازنه ؛ ومضى في منهجه الذي رسمه بهدوء ؛ فجاء بحكومة لم تخطب ود كل تلك العناوين التي تدعي صناعة فوزه أو تلك التي ساهمت بقوة فيه لإدراكه الحاجة للخروج من الدوامة العبثية التي فرغت العملية السياسية في الوطن من جوهرها ؛ فالمهم هو تشكيل حكومة عمل وانتاج لاحكومة محاصصة سياسية ذات بعد قبلي أو عرقي .
الرجل في شهره الأول في كرسي الرئاسة يبدو هادئا واثقا من مساره رغم ارتفاع الصخب حوله ؛ ورغم تجاذب الكتل المؤثرة حوله ؛ فكلهم يسعى لسحبه نحوه ليكون له مظلة حماية لمصالحه الضيقه ؛ والرئيس غزواني يريد أن يكون مظلة لشعبه كله بعيدا عن لعبة الاجنحة النافذة ذات الرؤية الضيقة.
إن خارطة الطريق إلى الحصانة من كل ابتزاز سياسي ضمني أو علني تبدأ دون ريب بإعادة تشكيل الساحة السياسية عبر حل البرلمان ؛ وانتخابات تشريعية وبلدية وجهوية بمعيار المصداقية السياسية ؛ وتصعيد جيل برلماني جديد لا تعكر صفوه ديناصورات الماضي السياسي الانتهازي ولا التمثيل الوهمي لشعبنا.
إن أي حكومة لا تعمل في مناخ سياسي منسجم لا فرصة لها في القدرة على تحقيق المامول منها ولا على تنفيذ تعهدات الرئيس غزواني ؛ وسيف الوقت حاسم في ذلك.
الرئيس غزواني آخر طلقة ذهبية في خزينة المؤسسة العسكرية ؛ وأول زناد مدني متوهج ديمقراطي في جعبة الوطن فإن لم تصب به بلادنا هدفها في التنمية والعدالة والاستقرار والرقي فستمر عقود من التيه عليها بعده لاقدر الله .
دعوا الرجل يعمل بهدوء وكونوا عونا له ولاتكونوا عونا عليه بما توزعون من إشاعات وماتشيعون من تشاؤم لامبرر له".
حفظ الله بلادنا من كل سوء
بقلم : المصلي على الشفيع عليه الصلاة والسلام
عبد الله ولد بونا