د.عبدالله اليوسف: اختيار الصديقة المناسبة يحصّن الفتاة من السلوك غير المقبول.
- د.مالك الأحمدي: الأفلام والمسلسلات الأجنبية تسبب خللاً ثقافياً ومع الوقت يتحول إلى خلل عقائدي.
- منال الشريف: يوجد خلل في بعض البيوت.. وهناك فتيات يتعرضن للمآسي.
- مها السراج: مجتمعات كثيرة تعاني ويجب خلق بيئة محبة حتى لا تبحث الفتيات عن حريتهن المزعومة في المجهول.
د. مها حريري: الشخصية غير الناضجة لبعض الفتيات تجعلها مشوشة وهشة المشاعر.
استحوذت أخبار هروب قلة من الفتيات، على اهتمام الشارع السعودي والرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن هروب الفتيات لم يصل لحد الظاهرة، وما يزال مجرد حالات نادرة حيث لا توجد أرقام واضحة حقيقية، ولم تكشف أي جهة رسمية عن أعداد الحالات؛ بيْد أن الأهم هو التعرف على أسباب هروب الفتيات، وهل يُعَد نوعاً من التمرد على الواقع أم إن التفكك الأسري أحد أهم الأسباب لهروب الفتيات؟
تناقش "سبق" هروب الفتيات بأبعاده المختلفة؛ بحثاً عن إجابات مقنعة.
المسلسلات الكورية
يقول أحد الشباب لـ"سبق" معترضاً على اتهام المسلسلات الأجنبية بهروب الفتيات: "أختي تتقن اللهجة الكورية من شدة إعجابها بالمسلسلات الآسيوية، وتتابعها بشغف وباهتمام"، واعترض على اتهامات البعض للدراما الأجنبية بكونها سبباً في هروب البنات، وقال: "ما زالت القيم والأخلاق هي الدرع والسلاح الواقي".
أما نسرين المالكي فقالت: أتابع باستمرار المسلسلات الأجنبية، وخاصة التركية، وأرى أنها تنقلنا إلى عالم آخر فيه جزء كبير من الخيال والحب الأسطوري؛ بيْد أني على وعي تام بكونها دراما جيدة استطاعت أن تشد البيت السعودي تجاهها.
وقالت "روتانا"، طالبة في جامعة "عفت": لا يمكن أن تكون الدراما سبباً لهروب فتاة، بالتأكيد هناك أسباب عدة قد تدفع الفتاة إلى أن تهرب وترمي نفسها للمجهول؛ أهمها غياب الدفء والحب في الأسرة؛ مؤكدة أن علينا أن نفتش داخل الأسرة والبيئة المحيطة للفتاة، وسوف نجد وقتها السبب لهروبها.
صديقات السوء
ومن جانبه اعتبر أستاذ الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله اليوسف، أن هروب الفتيات من أكثر التحديات التي تعيشها الأسرة السعودية في الوقت الحاضر، ويمثل هروب بعض الفتيات من بيوت أهلهن شكلاً من أشكال التمرد والانحراف التي بدأت تطفو على السطح في المجتمع العربي السعودي.
ورأى أن هروب الفتيات يقع في المرتبة الثانية بعد الجرائم الأخلاقية؛ من خلال تحليل أنواع الجرائم المرتكبة من قِبَل الفتيات الهاربات. وتُرجع كثير من الدراسات أسباب الهروب بين الإناث السعوديات إلى تفكك الأسرة، بالإضافة إلى معاناة الفتيات من الإهمال، وفقدان الرعاية الأسرية، وحاجتهن إلى الحنان؛ إذ جاء الشعور بإهمال الأسرة، وعدم اهتمامها بالأبناء سبباً أساسياً من أسباب انحراف الفتيات الذي يتمثل في هروبهن حسب الكثير من الدراسات في هذا المجال.
وقسّم "اليوسف" هروب الفتيات إلى نوعين؛ أولهما معنوي، وهو الأكثر شيوعاً لطبيعة المجتمع المحافظ، وخوف الفتاة من الأسرة يجعلها تنعزل نفسياً وتبقى في غرفتها وتخلق عالماً آخر عبر الإنترنت، وقد تستيقظ الأسرة على فاجعة هروب الفتاة؛ أما النوع الآخر فهو الهروب المادي؛ حيث تقذف الفتاة بكل الفضائل التي نشأت عليها، وتنساق وراء رغباتها التي تقودها في الغالب إلى الرذيلة.
وأرجع أستاذ الاجتماع هروبَ الفتيات إلى أسباب عدة؛ أهمها صديقات السوء؛ موضحاً أن السلوك الإجرامي سلوك متعلَّم عن طريق الاختلاط بأفراد منحرفين يزينون طريق الانحراف؛ للخلاص من الضغوط الاجتماعية والأسرية أو التعامل غير المناسب من قبل الوالدين.
وأكد أن اختيار الصديق المناسب -سواء للفتى أو الفتاة- يمثل أحد الوسائل التي يمكن أن تحصّنه من السلوك المنحرف؛ لذا على الأسرة الاهتمامُ بالأبناء ومراقبة أصدقائهم؛ فقد يكون الصديق هو الباب الذي يدخل معه المراهق للسلوك الإجرامي في غفلة من الوالدين.
ويقول د.اليوسف: لعبت وسائل الإعلام دوراً كبيراً بما تبثه من أفكار وأطروحات حول الحرية الفردية والاستقلالية، وغيرها من الأطروحات؛ دفعت الفتيات إلى التحرر من سلطة العائلة والرغبة في كسر القيود والمحاذير التي تفرضها العائلة على الفتاة، ومن ثم ممارسة جريمة الهروب، وعصيان الأوامر العائلية، والتمرد على سلطة العائلة، كما أن الضغط على الفتاة للزواج من رجل مسنّ يؤدي إلى عواقب وخيمة في سلوك الفتاة التي قد تتمثل في هروبها من المنزل للتخلص من الضغوط التي تعيشها.
وحذّر من عدم اعتناء الآباء والأمهات بالتنشئة الأسرية السليمة، والتي تمثل أحد الكوابح المهمة التي تصرف الفتاة عن طريق الانحراف، كما أن التفكك الأسري يجعل المنزل مسرحاً للمشكلات، وقد يدفع البنت للهروب.
ونوّه بخطورة الفراغ العاطفي، وشعور الفتاة بعدم محبة والديها وعدم إشباعها عاطفياً داخل الأسرة، ويؤدي بها إلى الهروب، وقال: عاطفة الفتاة تحتاج إلى حنان من قِبَل الوالدين مثل ما يهتمون بالغذاء والطعام، كما أن رفض استلام الفتاة بعد انتهاء محكوميتها؛ سبب لبروز ظاهرة الهروب؛ حيث يمثل صدمة للفتاة، ويجعل فُرَص عودتها للطريق الصحيح معدومة.
وحول الحلول المتاحة للحدّ من ظاهرة الهروب؛ أجاب "اليوسف" قائلاً: كف الممارسات الذكورية المتسلطة على الفتاة من قِبَل إخوانها وأحياناً والدها، مع اقتراب الأم من ابنتها برفق، وجمعها بين اللين والحزم مع المراقبة بطريق غير مباشر -وغالباً ما تقع في هذا التقصير الأمهات العاملات لابتعادهن عن بناتهن فترات طويلة، كما ينبعي مراعاة التركيبة النفسية والهرمونية للفتاة، وغرس الوازع الديني لدى الفتاة، وقبولها كما هي وليس كما يرغب الوالدان".
استقطاب الفتيات
ورأت الإعلامية منال الشريف أن هروب الفتيات أمر ليس بالجديد؛ فمن قبلُ كانوا يهربون من القرى إلى المدن لإيجاد فرص عمل وسكن وعائلات تحتضنهن من عنف الآباء؛ لافتة إلى أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في تبصير الفتيات عن طريق الدراما، وهناك من تتأثر بالمسلسلات وتعتقد أنها حقيقية، دون وعي بوجود سيناريو محكم لاستقطاب المشاهدين، وليس كل ما نراه في الدراما الأجنبية واقعياً.
وأوضحت أن سن المراهقة أصبح مشكلة في منزل؛ لانعدام لغة الحوار المشتركة بين الأسرة والفتاة؛ متسائلة أين احتواء الأسرة لبناتها؟ وكيف تستطيع فتاة أن تتخلى عن حضن أمها وأبيها؟ فهل هناك من يدبر لهن الهروب؟ وخاصة عندما تلجأ الفتاة الهاربة إلى دول ليست بالرخيصة؛ فكيف ستعيش؟
وتابعت: لا ننكر أن هناك خللاً كبيراً في كثير من منازلنا؛ فكم من فتاة عُنّفت وكم من زوجة أب ضربت بل قتلت ابنة زوجها، وهناك الكثير من المآسي تتعرض لها الفتاة السعودية، وربما تكون أحد الأسباب التي تدفعها إلى الهروب.
تجاوز الحدود
وتواصلت "سبق" مع أستاذ الإعلام الدكتور مالك الأحمدي، الذي قام بالعديد من الدراسات عن تأثير المسلسلات الكورية والتركية على المجتمع السعودي، وأوضح أن المتابعة المستمرة لهذه المسلسلات تورث تعلقاً بالأبطال والأماكن والبلد؛ وخاصة عند الفتيات؛ برغم أن المسلسلات غير مناسبة لنا والمحتوى السلبي هو الغالب فيها.
وقال: هناك العديد من العائلات السعودية تسافر إلى تركيا وتزور أماكن التصوير؛ حتى باتت مزاراً سياحياً هناك.
ولفت إلى أن الإعلام يوصل الإنسان إلى مرحلة التعلق؛ مما يؤدي إلى تجاوز الحواجز الاجتماعية والدينية؛ فنجد من يتأثر بالبيئة والجو.
لافتاً إلى أن خيال الفتاة يرسم لها البيئة بشكل جذاب وخاصة مع استمرار عرض حلقات الدراما والتي أغلبها تصور قصص حب أسطورية، والتي تعد مصدراً لتعلق الفتيات خاصة إذا افتقدت الدفء الأسري والعاطفي؛ ولذا نجد مَن يتفاعل مع المشاهد العاطفية والبيئة الخيالية، ويسعى إلى العيش فيها، وقد يكون سبباً لهروب الفتيات.
وعن خطورة الدراما الأجنبية، قال "الأحمدي": "تنقل الفتيات إلى عالم وثقافة غير مناسبة؛ مما يتسبب في خلل ثقافي، ومع الوقت يتحول إلى خلل عقائدي"؛ لافتاً إلى أن الكثير من الدراما تكسر كل القيود التي ما زال يحافظ عليها المجتمع السعودي المحافظ بطبعه.
ورفض إلقاء اللوم على الإعلام؛ مؤكداً أن شخصية المتلقي والظروف التي تحيط به، تلعب دوراً كبيراً في رسم شخصيته، كما أن للأسرة الدور الأكبر في المتابعة والتوجيه والتربية.
ورأى أن من الصعوبة إطلاق حكم عام على الإعلام الاجتماعي؛ فله إيجابياته وسلبياته؛ حتى صار كالسكين يقتل العدو والحبيب، ولا يمكن اتباع ثقافة المنع والحجب؛ لأن الفضاء الإعلامي مفتوح، ومجالات التوظيف الإيجابي للإعلام كبيرة جداً؛ برغم وجود الكثير من الظواهر السلبية له، وعلى الفرد أن يكون حقيبة نفسه، يستقي ما يناسبه ويناسب قيمه وعقائده.
تمرد الفتيات
من جهتها قالت الإعلامية مها السراج: هروب الفتيات يتعلق بشكل رئيسي بعلاقة الفتاة بأسرتها، والبيئة التي تعيش فيها.
مشيرة إلى أن الإنسان يتأثر بكل ما يحدث في محيطه الأسري، وكل ردة فعل من الأبناء تكون نتيجة للمؤثرات الملامسة له سواء إيجابية أو سلبية.
وتابعت: الهروب مشكلة تحدث في مجتمعات كثيرة بما فيها المجتمعات المتقدمة؛ فسن المراهقة يُعتبر من أكثر فترات العمر صعوبة، وفيها يكون المراهقون والمراهقات في حالة رفض وتمرد لهذا؛ فالهروب بالنسبة لهم يظنونه خلاصاً من أجواء لا تناسبهم، وهناك أسباب أخرى تتمثل في العنف الأسري والضغوط والقسوة والحرمان؛ ولهذا فإن هذه الظاهرة لا بد أن تخضع للدراسة، وأن يساهم فيها أطراف متعددة بدءاً من الأسرة والمختصين والمدرسة، كما أن للإعلام دوراً توعوياً وتوجيهياً يساهم في تقديم القدوة لأبنائنا.
ورفضت إلقاء اللوم على الإعلام والدراما كدافع أو مؤثر، وقالت: البيئة التي يتوفر فيها الدفئ العائلي والتربية المتوازنة التي تُبنى على الحوار والتفهم لن تخرج منها فتيات يبحثن عن الحرية في المجهول.
وأكدت أن البيئة المحافظة التي يتوفر فيها حرية الرأي والاستقلالية والتشجيع والحب؛ ستكون كافية لأي فتاة؛ لأن هذا ما ينشده الجيل الشاب.
وأضافت أن سيناريو هروب الفتيات نتَج عن ظروف عائلية وبيئية لم يتوفر فيها احترام الرأي والحوار والاحتواء.
وختمت حديثها بالتأكيد على عدم إمكانية تجنب هذا الفضاء الإعلامي المفتوح؛ بيْد أن بإمكاننا أن نغير من أنفسنا ومن طريقة تعاملنا وتربيتنا لأبنائنا؛ حتى نحتوي أحلامهم ونمنحهم الاستقلال بالرأي والتصرف، مع إعطاء الثقة مع الحب والاحتواء، ولا نترك بناتنا عُرضة للاستغلال والاستدراج.
مجاراة الموضة
وأرجعت الاستشارية النفسية مها حريري هروبَ الفتيات إلى دوافع عدة؛ أهمها التمرد على الوضع الاجتماعي، والانسلاخ منه لوضع آخر، وقد تكون هناك دوافع نفسية أو اقتصادية أو تعليمية؛ لافتة إلى أنه عادة ما تكون شخصية مَن يهرب مهزوزة وتغيب عنها القيم وترغب فقط في مجاراة الحياة والموضة.
وتابعت: لا يوجد إنسان سويّ يملك عقلاً واعياً يفكر في الهروب.
مشيرة إلى تلك التصرفات تنتج عادة من شخصية مشوّشة وهشة المشاعر غير ناضجة.
وعن الآلية النفسية للإنسان الذي يهرب، قالت: لا ينتمي للأسرة ولا يشعر بالأمان ويبحث عنه في عالم آخر.