-موقع الاستقلال- لقد اطلعت على أبحاث مهمة تكشف النقاب عن تجارة رائجة بين سكان جنوب نهر السينغال (بكل دوله) وسكان شمال النهر (من ضفته إلى أقصى نقطة في المغرب العربي). لم تكن عُمْلة تلك التجارة، الممارسة جهرا في ليل إفريقي احلوْلكَ بغمام ظلم الاسترقاق الفظيع، غير عبيد يدفعهم أمراء الحرب مقابل الخيل!!.
وبعد جولة "اطلاع وتفقد" لأحوال أولئك العبيد داخل نصوص كتبها مؤرخون غربيون، بدا لي من المفيد أن أقدم للقارئ، المهتم بتاريخ الرق في المنطقة، ملخصا لواحد من تلك الأبحاث نشره المؤرخ جيمس ويب بعنوان "المبادلات التجارية للخيل مقابل العبيد بين الصحراء والسينيغامبيا" ضمن مجموعة مقاربات تضمنها كتاب الآنتروبولوجية مارييلا فيلازانت دو بوفي الصادر تحت عنوان: "المجموعات المسترقة في الصحراء".
يقول المؤرخ جيمس ويب ان تجارة خيل الحروب في شمال إفريقيا وحافة جنوب الصحراء الغربية لعبت دورا حاسما في الاقتصادات السياسية لامبراطوريتيْ مالي وجولوف على الأقل من القرن الرابع عشر حتى القرن السادس عشر، كما لعبته، ما بين القرن الخامس عشر والقرن التاسع عشر، في الدويلات المعتمدة على الخيّالة والواقعة في السافانا بغرب إفريقيا (أي السهول الصالحة للسكن قرب الغابات وفي المناطق الاستوائية قليلة النباتات). وعلى إثر وقوع فترة قحط طويلة، بدأت في النصف الأول من القرن السابع عشر، اتسعت (نحو الجنوب) منطقة تنمية خيول الصحراء. وبسبب تهجينها مع الخيل المحلية الجنوبية الصغيرة، القادرة على مقاومة الأمراض في السافانا، ظهرت سلالات جديدة جيدة. ورغم أن السافانا بقيت، على المستوى الوبائي، بيئة مضرة بخيل الشمال (الكبيرة والمطلوبة جدا)، واصلت دول إفريقيا السوداء استيرادها حتى نهاية القرن التاسع عشر.
المشكلة الأساسية مع استيراد خيول شمال إفريقيا والصحراء تمثلت في ضعف مناعتها في مواجهة الوسط الصحي في السافانا، وما تعانيه من ارتفاع كبير في نسبة الوفيات. وتبقى أهم أسباب نفوق الخيول داء المثقبات الطفيلي. وكان لابد من تهجين خيول الشمال، القوية ذات الحجم الكبير، مع الخيول الإفريقية القصيرة والمقاومة للأمراض. ومع مرور الوقت، وبالحل المتحصل عليه بالتهجين، أصبح الحصان البربري قادرا على نقل صفاته المتمثلة في السرعة والحجم الكبير. وساهم الفرس الغرب إفريقي القزم، من جهته، في مقاومة الخيل المهجنة لداء المثقبات الطفيلي الإفريقي.
الحصان المولـّد، الناتج عن تهجين خيول الشمال وخيول الجنوب، لم يكن جذابا من حيث الشكل فحسب، بل كان أيضا قابلا للاستخدام كما كان شجاعا وذكيا.
ويرى جيمس أن أسباب استيراد الأفارقة السود للخيل العربية والبربرية الأصيلة كثيرة رغم معدل وفياتها المروع. ومن أهم تلك الأسباب الرشاقة المظهرية والقوة الجسمية وصفات الفروسية العالية لدى خيل إفريقيا الشمالية والصحراء، فطول هذه الخيل الفارع يترجم مباشرة سرعتها الفائقة، ووزنها الزائد يعني أنه بمقدورها حمل أمتعة أثقل على مسافات أطول، كما أن قدها الكبير ملفت ومخيف (خلال المعارك). كل هذه العوامل كانت مهمة بالنسبة لدويلات السود الصغيرة المعتمدة على الخيّالة خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر.
عندما تنطلق حملات سَبْي العبيد من القرى الإفريقية الواقعة جنوب النهر، يقوم الفرسان المحاربون السود بتطويق القرية، ومن ثم إشعال أكواخها. وخلال الهجوم يسقطون كل من حاول الهرب، ويقومون بربط الأسرى بأذناب الخيل. وإذا تعلق الأمر بحملات على نطاق ضيق، خاصة في المناطق الزراعية، يكون على المحاربين أن يضربوا بسرعة، وفي خضم ذلك يتسابقون إلى حشر الأطفال الأصغر سنا داخل الخنشات بعد شد وثاقهم على ظهور الخيل، وإذا سمحت الظروف يأخذون معهم الأطفال الكبار والبالغين، ثم ينسحبون في أسرع وقت ليسلموا من غضب المجتمع المُغار عليه.
الأسرى، الذين يصبحون مباشرة عبيدا، تتم مبادلتهم بالخيل الشمالية الأصيلة. كانت الخيل تستخدم في حروب الدول التي ينتج عنها عدد كبير من أسرى الحروب الذين يباعون بعد ذلك إما في أسواق الأطلسي وإما في أسواق الصحراء وشمال إفريقيا. ولقد استخدم جنود دول السود خيلهم في عمليات النهب بغية الحصول على الغنائم التي تؤدي بدورها إلى الحصول على عبيد من أجل تصديرهم.
الخيول العربية والبربرية لا تعيش طويلا داخل السافانا، ومعدلات الوفيات مرتفعة لدى العبيد في الفلوات خلال نقلهم عبر الصحراء. لذلك يباع بعض العبيد لسفن النخاسة على مراسي الأطلسي، خاصة خلال القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، بغية الحصول على البنادق والبارود تسهيلا لحملات النهب في دائرة العنف السياسي، إلا أن الخيل ظلت أهم آليات الحروب في المنطقة، وبالتالي ظل سوق الصحراء رائجا.
ويرى بعض المؤرخين أن تجارة العبيد مقابل الخيل في السينيغامبيا لم تشكل عاملا أساسيا إلا خلال قرون سحيقة من المبادلات بين الصحراء والسافانا. في هذا الصدد يقول المؤرخ روبين لاوْ ان الفترة التي طغت فيها تجارة العبيد والخيل انتهت في القرن السادس عشر. أما الباحث فيليب كرتين فقدم أدلة على تراجع أسعار الخيل في فترة معينة، معتبرا أن تجارة الخيل القادمة من إفريقيا الشمالية والصحراء لم تعد تلعب دورا كبيرا في الاقتصاد السياسي بالسينيغامبيا ابتداء من نهاية القرن السابع عشر. وأيد مؤرخون آخرون القول بأن تجارة العبيد عبر الأطلسي كانت ذات تأثير قوي على الاقتصاد السياسي للدول الولفية الشاطئية على الأقل من النصف الثاني للقرن السابع عشر دون أن يعيروا تجارة الخيل والعبيد عبر النهر ما تستحق من دراسة.
ويقول المؤرخ جيمس ويب إن بحثه يبرهن، انطلاقا من وفرة مصادره التاريخية، على مدى الأهمية القصوى لتجارة العبيد مقابل الخيل بين الصحراء والسينيغامبيا على مدى القرن الثامن عشر حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. كما يؤكد أن تجارة الخيل والعبيد كانت أساسية لحياة أصغر دويلات السافانا المعتمدة على الخيّالة أو المقاتلين الفرسان، وأن عدد العبيد المصدّرين إلى الصحراء من قبل الدول الولفية الشاطئية (الوالو والكاجور) وبقية دول إفريقيا السوداء في منطقة شمال السينيغامبيا، كان أكبر بكثير من عدد العبيد المصدرين من نفس الدول عبر الأطلسي في عمليات التبادل مع الأوربيين. ففي سنة 1686، مثلا، غنم جيش أمير باول (تين) من جيش أمير كاجور (دمّل)، الكثير من الأسرى. حينذاك كانت الأسلحة متوفرة عبر تجارة الأطلسي شأنها في ذلك شأن البارود، أما الخيل فمتوفرة عبر تجارة الصحراء وشمال إفريقيا (عن طريق النهر). في تلك السنة لم يبع التين عبر الأطلسي إلا 80 سجينا بينما بعث بقية السجناء إلى الشمال لتتم مقايضتهم بالخيل بغية إكمال خيّالته.
ويقول جيمس ويب ان الفرس المحلي بالسينيغامبيا كان قصيرا يصل طوله ما بين 0.95 سنتمتر ومتر واحد. والحقيقة أنه كان صغيرا جدا على الكثير من المهام التي يمكن أن تستخدم لها دواب حمل أكبر حجما بما في ذلك ركوب المحاربين. بينما الخيول العربية والبربرية كانت أكبر بكثير، فطول الفرس العربي يصل مترا و40 إلى 48 سنتمتر، ويصل طول الفرس البربري إلى متر و42 إلى 45 سنتمتر. ويجدر التنبيه إلى أن المفردات الولفية الخاصة بالخيل مشتقة من اللغة العربية مما يعني أن الخيول المستوردة من الشمال تشكل اصطبلات خاصة ومستقلة في الرواق السينيغامبي. وعكسا للولوف، ففي السافانا المالية تحيل المفردات الخاصة بالخيل إلى جذور محلية مما يعني احتمال وجود طرق قديمة للاستيراد ربما تعود إلى ما قبل ظهور التأثير العربي البربري في آدرار (بموريتانيا الحالية). وكدليل تاريخي إضافي مميز للسينيغامبيا الشمالية، يمكن أن نذكر إدخال هذه المنطقة للسرج العربي بدلا من سروج بمباره أو ماسينا أو موسّي (في السودان الغربي) مما يؤكد أن التأثيرات الأولى قدمت من الشمال وليس الشرق، وأن تاريخ هذا التأثير يعود إلى عهد السيطرة العربية-البربرية على تجارة الخيل.
ومنذ القرن الرابع عشر ولجت الخيل العربية إلى اصطبلات أسر الإمبراطوريات السودانية. ويبدو أن هذه الخيل استقدمت من شمال إفريقيا ومن أراضي تنميتها في هوامش الصحراء. ولا نعرف إلا النزر القليل عن إسهامات خيل الشمال الإفريقي والصحراء في هذه الفترة القديمة باستثناء ما نجده في تعليقين صغيرين أحدهما للبرتغالي فالانتين فيرنانديس كتبه 1506-1507 يقول فيه ان تجارا من الصنهاجيين البربر يبيعون خيلا قادمة من المغرب في منطقة جولوف مقابل الحصول على عبيد، والآخر للجغرافي الأندلسي ليون الإفريقي (الرحالة الحسن بن محمد الوزان) كتبه في منتصف القرن السادس عشر حول مجتمع من الصحراء متورط في شراء خيول من مملكة فاس وبيعها في إفريقيا السوداء مقابل العبيد.
ورغم أن أصول الخيل المستوردة في السافانا لا يمكن تحديدها بصفة مطلقة، إلا أن معطيات لغوية تؤكد أن آدرار كان مركزا مهما لتنميتها؛ فـ"شنقيطي" تعني "عين الخيل" باللغة الآزيرية. وهذا ما يؤيد وجود تنمية للخيول في هذه المنطقة قبل أن يتوطد وجود عرق البيظان وقبل استتباب سيطرة هذا العرق في المنطقة. وإن مفردات من الولفية تؤكد أهمية آدرار (على مستوى تجارة الخيل) خاصة مدينة وادان القوافلية، فالمهر يسمى بالولفية "فاسْ ودان" أي "فرس وادان". وتقول روايات التكرور أن منطقة الحوض عرفت وجود أعداد كبيرة من الخيول خلال القرن الخامس عشر وهو ما أكدته كتابات فالانتين فيرنانديس.
ويقول جيمس ويب ان تجارة الخيل في شرق مالي كانت مهمة للانسجام السياسي ربما في بداية ظهور امبراطورية جولوف الولفية. ويشير جيمس إلى أن المعطيات الخاصة بمسار التموين بالخيل في هذه الفترة السحيقة نادرة، ولكنها توحي بأن مبادلة العبيد بالخيل لم تكن ممركزة.
ويقول جيمس ان شبكات من تجار الخيل في منطقة الصحراء لا تنشط في قلب الامبراطورية فحسب، وإنما تنشط أيضا في الإمارات السود الصغيرة المجاورة. وفي أواسط القرن الخامس عشر يذكر كادا موستو بالإسم عشيرة (من جنوب غرب موريتانيا الحالية) ولجت ساحة الأرستقراطيات الولفية في جولوف حيث تمتعت بالحظوة الناتجة عن نشاطاتها التجارية في مجال الخيل والعبيد.
ويرى جيمس أن النخبة الإفريقية ضمنت نمط حياتها بنفسها من خلال أسْر العبيد في القرى الموجودة في حدود تأثيرها ومن خلال حالة الحرب الدائمة ضد المجموعات المجاورة، وكانت هذه النخبة تعبر عن ولائها لـ"بوربا" جولوف (الأمير) بإرسالها لخيول وعبيد إلى البلاط الإمبراطوري. وبما أن القادة يرغمون رعاياهم على دفع غراماتهم برؤوس الخيل أساسا، كان لابد من مسارات عديدة للتموين بها من الصحراء نحو السافانا (أي بمبادلتها بالعبيد بشكل مستمر).
والحقيقة أن مملكة جولوف بدأت في النصف الثاني من القرن الخامس عشر تستورد الكثير من الخيول من شمال النهر. ففي أواسط القرن الخامس عشر لاحظ سادا موستو أنه يوجد القليل من الخيول التي كانت تتم تربيتها محليا، وأما الباقي فمستورد من شمال الضفة. وفي بدايات القرن السادس عشر - حسب فيرنانديس واديارت باشيكو بريرا- كانت عند أمير جولوف (بوربا) مجموعة من الخيول يبلغ عددها من 8000 إلى 10000. هذا الرقم يتعلق بالغالبية العظمى لأرض الولوف بما فيها الوالو والباول وكاجور وجولوف والأراضي التي خسروها لصالح القوى الصحراوية الجنوب غربية في منطقة الكبله.
الأفارقة السود في شمال السينيغامبيا وفي غرب مالي تبنوا الرِّكاب العربي وهو ما مكن المحاربين من التعامل بشكل أفضل مع بعض الأسلحة كالرماح والنبال. وباعتماد السود على الرِّكاب أصبحت الخيل تستغل بشكل جيد في الحروب وعمليات الأسْر. وهذا ما مكن أيضا نخبة الدول الحضرية من الهيمنة على المجتمعات الزراعية في السافانا وفي الغابات بنفس الطريقة التي يهيمن بها الخيّالة والجمّالون البُداة في المجال الصحراوي.
في العقد الأخير من القرن الخامس عشر تمكنت مجموعة من فولبي (إحدى دول فوتاتورو البولارية) في شرقي مالي من إغلاق المجال بين جولوف ومصدر تموينها بخيول الصحراء. وبقيادة الأمير كولي تنكللّ، انتصرت فولبي في حروبها شمال نهر السينغال في منطقة الحوض (بموريتانيا الحالية). وحسب المؤرخ التكروري سيري عباس صو فقد غنمت الفولبي من منطقة الحوض أكثر من 40 ألف من أفضل سلالات الخيل. وحوالي سنة 1510 تمكنت الفولبي من السيطرة على الضفة الوسطى لنهر السينغال. وفي الفترة ما بين 1530 و1550 بدأت جولوف تفقد السيطرة على مجالها. وفي هذا الفراغ تمكنت دول الفولبي (في فوتا) من توسيع مجال تأثيرها فهيمنت على المجموعات المزارعة في شمال النهر وفرضت غرامات على الوالو. وعندما فقدت جولوف سيطرتها على الضفة الوسطى بدأت المجتمعات الشاطئية تنفصل. وهكذا برزت دويلات معتمدة على الخيّالة بفعل تفكك امبراطورية جولوف. تلك الدويلات، الواقعة على تماس مع الصحراء، كانت تحتاج إلى قوة كبيرة من الخيّالة لصد هجمات أعدائها. لذلك استوردت عددا كبيرا من الخيول البربرية (مقابل العبيد) وعملت على تهجينها.
وعلى مر القرون، تحسنت سلاليا أحصنة كاجور وباول، المعروفة على التوالي بـ"امبار" و"امبيار"، بفعل تهجينها مع خيول بربرية وعربية مستوردة من الصحراء وشمال إفريقيا. هذا التوليد أنتج خيل السينيغامبيا الأصغر حجما والأقل جمالا، إلا أنها أكثر ملاءمة للحرب. هذا التحسن لم يتحقق إلا بعد مسلسل طويل، ففي أواسط القرن العشرين، مثلا، تم تحسين حصان امبار بنجاح فوصل طوله من متر و25 إلى متر و35 سنتمتر. ورغم ما عرف به هذا الحصان من قوة التحمل والشجاعة الفائقة، إلا أنه ظل صغيرا جدا على الاستخدامات العسكرية الحقيقية. ولم تكن هناك أية وسيلة لتحسين صفاته بالتهجين مع الخيول المحلية. فكان لابد من استيراد خيول من الصحراء وشمال إفريقيا، وبالتالي لابد من حروب وأسْرى وعبيد كما كان العمل خلال قرون طويلة من تجارة العبيد والخيل.
ويقول جيمس ان مصادر نهاية القرن السابع عشر تعطي الانطباع بأن الخيل العربية والبربرية كانت المفضلة في شمال الوالو (ربما في جنوب الترارزه وإينشيري) مع أن المصادر الشفهية في الصحراء لا تذكر شيئا عن تربية هذه الخيول في الترارزه وإينشيري. فخلال القرن الثامن عشر كانت غالبية خيول الصحراء، ذات القدرة العسكرية المميزة والتي يتم تصديرها مقابل العبيد إلى إفريقيا السوداء، يقام على تربيتها في منطقة تكانت والحوض من قبل مجموعات من البيظان.
هذا النوع من التموين ينسحب أيضا على القرن التاسع عشر. فحتى أواسط القرن التاسع عشر فإن بعض خيول إمارة الترارزه تم استيرادها من تكانت. ومهما يكن فإن أكبر تمركز لخيول الصحراء يبدو أنه كان في الحوض. ويذكر جيمس بالإسم قبيلة من قبائل الحوض كان فيها أكبر منمي الخيول، فقد اقتنت هذه القبيلة ست سلالات وحافظت في اصطبلاتها على مئات الخيول من كل واحدة من تلك السلالات. وبالنسبة للقرن العشرين، فتقول المصادر الفرنسية أن الحوض كان مركزا لتنمية الخيل وأنه توجد مصادر أخرى للتموين بالخيل في آدرار الغربي وتكانت وآوكار.
المؤرخون يعتبرون أنه ثمة فروق واضحة بين الخيل التي تمت تربيتها محليا (في جنوب الضفة) والخيل التي تم استيرادها من الصحراء وشمال إفريقيا. ولأن قدرات الصنفين مختلفة فإن أسعارها مختلفة أيضا. يقول الويس شامبونو ان في الوالو، أواسط 1670، خيول مستوردة (تمت تربيتها محليا بعد الاستيراد) يتراوح سعرها بين عبد واحد إلى 10 أو 15 عبدا للفرس، ما يعني الفرق الشاسع بين قيمة خيل السافانا وقيمة الخيل المستوردة. ويؤكد مؤرخون آخرون أن القرن السابع عشر عرف أسعارا باهظة للعبيد. في هذا الصدد يشير جان باربو إلى أن الأفارقة السود كانوا يشترون من باعة الصحراء خيولا يبلغ سعر الواحدة منها من 10 إلى 12 عبدا تم أسرهم في الحروب البينية الغرب إفريقية الهادفة إلى الاسترقاق مقابل الحصول على الخيل العتاق. ويقول لاكورب ان الخيل العربية الأصيلة بلغ سعر الواحدة منها 25 عبدا في سنة 1685. ويقول لابات أن شعوب الصحراء (شمال النهر) لديهم خيول بالغة الجمال يقدر ثمن الواحدة منها بـ 15 عبدا. يتعلق الأمر بخيل الحروب التي تمثل حاجة ملحة لدى الأمراء السود وقادة الدول. إنها ذات الخيول التي تخول لأمراء الوالو (ابراك) أن يدخلوا عنوة في مناطق نفوذ جيرانهم ويغنمون حيوانات وعبيدا ومؤنا، ويقايضون العبيد بالخيل لدى سكان الصحراء.
عدد الخيول المحاربة في الوالو ارتفع، ما بين سنة 1680 وسنة 1760، من 2000 رأس إلى 6000 رأس، وارتفع عدد الخيول المحاربة في كاجور من 300 رأس سنة 1680 إلى 3000 رأس سنة 1780.
ويقول جيمس ان الطلب على خيل الصحراء وشمال إفريقيا يأتي أساسا من زعماء الدول الإفريقية السوداء وحاشيتهم دون غيرهم من عامة الناس. فدمّل كاجور (الأمير) كان يملك إصطبلات خاصة به مكونة حصريا من الخيول الصحراوية والشمال إفريقية. ومن المحتمل أن العبيد الجنود لدى دمّل يستخدمون هذه الخيول للقيام بهجمات ضد القرى الواقعة في كاجور، وفي حدود الدول المجاورة، للحصول على غنائم من العبيد لأجل مقايضتهم بالخيل في سبيل زيادة إصطبلات الأمير. ويبدو أيضا أن النبلاء والزعماء المحليين يملكون خيولا مستوردة من شمال النهر ما يمنحهم المكانة ويساعدهم في الاندماج في اقتصاد النهب. ويرى دومي أن دمّل كان بإمكانه، في سنة 1769، جمع 1000 حصان للقيام بحرب خارجية، وفي نهاية نفس القرن أصبح بإمكانه جمع قرابة الـ 10 آلاف حصان. كما كان بإمكان كاجور (الدولة الواقعة جنوب الوالو) أن تنافس جيرانها في عدد الخيّالة.
وفي سنة 1796، عندما اعتـُقل منغو بارك في منطقة جنوب غربي الصحراء، وأصبح أسيرا عند زعيم أولاد أعمر (من أولاد امبارك)، لاحظ، حسب ما كتب لاحقا، أن خيول حي ذلك الزعيم جميلة جدا، وأنها محل إعجاب الأمراء السود لدرجة أنهم يعطون مقابل كل حصان منها من 12 إلى 14 عبدا.
ويرى جيمس أن استيراد خيل الحروب من الصحراء والشمال الإفريقي، خلال القرن الثامن عشر، واصل تورطه المباشر في العنف السياسي المرتبط بالاسترقاق في دويلات جنوب النهر. وخلال نفس القرن تراجعت نشاطات المبادلات بين العبيد والخيل في بعض مناطق السينيغامبيا عندما نجحت تنمية الخيل المهجنة.
وينقل جيمس عن دميت أن مملكة دمّل كانت، في سنة 1769، تستخدم في عمليات النهب 400 من خيول الحرب المستوردة من الشمال، وأن جل تلك الخيول كانت من السلالات الصحراوية العادية البالغ سعرها حوالي 3 عبيد للفرس الواحد. وفي كاجور، كان دمّل أكبر المشترين للخيول البربرية التي يأتي بعضها من مراكش عبر الطريق الشاطئي. هذه الخيول كانت تباع خلال القرن الثامن عشر بـ 15 إلى 30 عبدا للحصان الواحد.
ويؤكد جيمس ويب أن بعض العبيد المستخدمين كعملة للتبادل التجاري حُصل عليهم عن طريق الإتاوات السنوية التي يفرضها دمّل على رعيته والتي يقدرها دمت بـ 400 من العبيد سنويا. ويتمكن دمّل، ببيعه لـ 200 إلى 300 عبد، من الحصول على 10 إلى 20 فرسا من خيول الصحراء وشمال إفريقيا. هناك عبيد آخرون كانوا يُجمعون في ساحات خلال حملات النهب بمبادرة من الأمير (دمّل) أو النبلاء الذين يحتاجون هم بدورهم إلى خيل نجائب قادرة على القيام بعمليات النهب بهدف وحيد هو الحصول على عبيد من أجل بيعهم مقابل الخيل في إطار التجارة عبر الصحراء. يقول الإداري الفرنسي جان كابرييل بيليتان: "السود يقدّرون عاليا خيل البيظان. رأيت أمراء من السود يدفعون حتى 10 أو 12 عبدا مقابل حصان واحد، كما رأيتهم يهاجمون قرية فقط من أجل دفع ثمن حصان واحد من أحصنة البيظان".
يقول جيمس ان الأوربيين كتبوا الكثير حول النهب الذي يقوم به أمراء ونبلاء كاجور للحصول على عبيد، لكنهم لم يهتموا كثيرا بالهجمات القادمة من الصحراء ضد سكان كاجور، رغم أن هذه الهجمات أنتجت بدورها عددا لا يستهان به من العبيد خاصة في سنوات 1760 عندما ساهم محاربو الصحراء في ضمان سلامة وعرش دمّل وفق اتفاق يحصلون بموجبه على الحق في النهب داخل أراضي كاجور مدة شهر واحد من كل سنة. نجاح محاربي الصحراء في هجماتهم على نطاق واسع داخل كاجور شجعهم على القيام بهجمات أوسع في الوالو وباقي دويلات الولوف.
ويقول جيمس ان وفرة غير عادية في حجم أعداد العبيد حصلت في دول الولوف. وبسبب كثرة أعداد العبيد الناتجين عن النهب والحروب أصبح الأمراء السود في حاجة إلى صرف أو إنفاق بعض هذه "القطع النقدية" الزائدة، وذلك ما يفسر الثمن الباهظ، البالغ 100 عبد و100 رأس من البقر، يدفعه الأمراء السود، في مثل هذه الوفرة، مقابل حصان واحد من الخيول الصحراوية العتاق.
ويقول جيمس ان الكثير من هؤلاء العبيد يعبرون نحو الشمال عبر طريق القوافل الصحراوية حتى واد نون، وهي النقطة التي يصبح فيها العبيد تحت يد التجار المغاربة. وفي سنة 1840 فتح التجار مسارا ينطلق من كاجور مرورا بآدرار لينضاف إلى الطريق الشاطئي. ويعطي الجنرال فيديرب (1859) بعض التفاصيل حول قافلة وحيدة تأخذ هذا المسار قادمة من واد نون حتى محطة الترارزه. وتتكون هذه القافلة من 150 من الأحصنة يباع نصفها على طول الطريق، والـ 75 حصانا المتبقية توجه إلى سوق كاجور حيث تستبدل بالعبيد. ويؤكد فيديرب أن السعر المعروف حينذاك هو 15 عبدا مقابل فرس عربي عتيق واحد، وأن الخيل العتاق يمكن أن يصل ثمن الواحدة منها 20 إلى 30 عبدا في سوق الصحراء. وتحيل الوثائق التاريخية إلى أن نخب كاجور واصلت نهب القرى الولفية بغية بيع الضحايا لتجار الرقيق في الصحراء إلى بحر السنة 1854.
ولم يزد إلغاءُ تجارة الرقيق عبر الأطلسي تجارَ العبيد، من نخبة مجتمعات جنوب النهر، إلا تشبثا بسوق الصحراء (شمال النهر). في هذا الصدد يقول المقدم ماكسويل في تعليق له سنة 1811: "بما أن الطلب على العبيد ما يزال موجودا حتى الآن على مستوى البيظان الذين ينشطون في مقايضتهم بالخيل والقماش، قبل بيعهم داخل العمق الصحراوي، ليس من المستحيل على الباعة السود أن يوجـِدوا لهم العبيد، وبالتالي فإن أعداد العبيد المخصصين للبيع لم تنقص بعد".
ويقول كاسبار اتيودور مولين، بعيد زيارة قادته سنة 1818 لقريتيْ كانجول وكلكوم اللتين تعرضتا في تلك الفترة لنهب أمير كاجور: "يعدّ تحريم بيع العبيد لفتة كريمة تمثل دخول فجر مستنير. إلا أن السود ما يزالون يبيعون للبيظان عبيدهم الذين يحرّم اليوم على الأوربيين شراؤهم. والملك الذي كان يحصل على دخل كاف ببيعه 200 سجين للفرنسيين بـ 600 فرنك للواحد، يقوم الآن بهجمات أكثر على جيرانه، وحتى في قرى رعيته، فيضاعف بذلك عدد العبيد المنهوبين بغية أن يضمن لنفسه نفس المردودية التي كان يحصل عليها من الفرنسيين، لأن البيظان لا يدفعون في العبد إلا نصف ما كان يدفعه الفرنسيون".
والحقيقة أن تجارة العبيد مقابل الخيل التي بدأت سنة 1600 لم تنته إلا في الفترة ما بين 1850 و1860 بسبب دخول المنطقة في فترة غليان ناتجة عن حروب الاستعمار ضد الشيخ عمر الفوتي وبدء التخطيط لدخول فرنسا إلى المنطقة الواقعة شمال نهر السينغال. كما أن من بين الأسباب الأساسية للحد من تدفق أسرى الحروب من جنوب النهر إلى شماله، اعتبار الاستراتيجيين الفرنسيين أن إخلاء المنطقة من سكانها، خاصة قوتها الحية المنتجة، سيضر كثيرا بالمحصول الزراعي الذي بدأت فرنسا تتوجه إليه بعد بسط سيطرتها على شمال وشرقي السينغال إثر انهزام حلف الترارزه والوالو أمام جيوش فيديرب.
هذا الليل الإفريقي المدلهم، كان بمثابة دوامة فظيعة: الحرب من أجل الأسْر، الأسر من أجل الحصول على العبيد، العبيد من أجل الخيل، الخيل من أجل الحرب، الحرب من أجل الأسر، الأسر من أجل الحصول على العبيد، العبيد من أجل الخيل، وهكذا دواليك: دائرة مفرغة لا تنتهي إلا لتبدأ، مؤدية إلى تدفق آلاف آلاف العبيد إلى شمال النهر بعد بيعهم من قبل أبناء جلدتهم لتجار من أبناء الصحراء ليسوا بأرحم من سابقيهم.