منذ محنة ساركوزي صارت صحبة القادة الأفارقة للساسة الفرنسيين تخضع لرقابة سياسية قوية سببها ضغط المهاجرين المتوقع مع كل أزمة افريقية جديدة،ما جعل الشؤون الإفريقية لم تعد منفصلة عن الشؤون الداخلية الأروبية،وهو بعد تركز عليه المعارضات الإفريقية أثناء ضغطها على الحكومات.
أبسط أزمة سياسية يمكن أن يركبها طالبوا اللجوء السياسي أو اللجوء الاجتماعي أو اللجوء الثقافي نحو أروبا، ما من شأنه أن يزيد الضغط النفسي على الأروبين وينهكهم بالضرائب،بجريرة مبادرة زيادة المأموريات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
تلك المعطيات تجعل ضحايا المجازفة شركاء لابد من التشاور معهم.ومن يريد التشاور مع هؤلاء وإقناعهم عليه أن لا يلجأ إلى كونه قادر على التكفير عن اليمين أو أنه تاب من التصريحات السابقة التي قيد بها نفسه،فعقول هؤلاء القوم تعمل بطريقة شبه آلية لا تتحمل الكثير.
إنهم قوم إذا غضبوا ربما حركوا الملفات النائمة مثل مجازر الزنوج وغيرها من قضايا حقوقية في نظرهم،و يصاحب ذلك تشويه سمعة البلاد وتوقيف المساعدات.
وقد تتطور الأمور نحو الأسوأ إلى أن تصل حد تجميد أرصدة شخصيات وحظر دخولها للبلاد التي اعتادوا الاستجمام فيها أو العلاج.وربما تتطور باطراد إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير كما وقع في الحالة الغامبية،التي برهنت أن الدول الشريكة في الإتحادين الإفريقي والأوربي لم تعد تستبعد أي خيار.
ولهذا فإنني على خلاف المعارضة أرى الرحلة الرئاسية الحالية رحلة وداع،خاصة وأن الرئيس لم يقم بمثلها دعما لمرشحين من قبل،ودأب على أن ينتظر ظهور من أثبتوا وجودهم في صناديق الاقتراع سواء كانوا مستقلين أم خلق جديد،ليتأكد أنه يعتمد على أصحاب النفوذ المحقق،لا على من نفوذ من لازال في مهب احتمالات الربح والخسارة.
لم يكن الرئيس من الناحية العملية مرتبطا بحزب جامع مانع للأغلبية يتخذه ماكينة لصناعة قطع غيار جهازه السياسي،كما كان حال حزب الشعب والحزب الجمهوري.
وحتى لو توفرت عنده رغبة جديدة بإتباع نفس الأسلوب فإنه لم يمهد لذلك بهيكلة الحزب التي مرت في ظروف غامضة جعلتني أتصورها إستراتيجية انهيار دبرت بليل للحزب الذي كنت أنتمي إليه.
الرجل جنرال سابق في الجيش،وتصرفاته لا يمكن أن تكون عشوائية بتلك الدرجة،فقد وصفته تسريبات ويكلكس لمراسلات السفارة الأمريكية بنواكشوط بأنه يتقن مكائد الحكم،أي أنه داهية..وهو مسلم مواظب على الدعاء بالقول : اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدا ما أحييتنا .
من خلال المعطيات السابقة تكون قراءتي للرحلة الحالية داخل البلاد والتي يقوم بها رئيس الفقراء محمد ولد عبد العزيز،أنها لا تتعلق بزيادة المأموريات لأن ذلك مستحيل،حتى ولو صرح هو به تثبيتا لقلوب من لا زال لهم عليه دين سياسي.
إنما تتعلق تلك الزيارة بتفقد أحوال الرعية التي أراد أن يرسل من خلالها رسالة مفادها أنه : رغم أنه قضى مأموريتين ونيف،فإنه لا زال محبوبا عند شعبه،ما يؤهله أن ينسحب وهو في القمة بعد أن عمل أعمالا صالحة كثيرة،كان آخرها في هذه الموسم تمريضه لحزب سياسي محتضر..والله أعلم.
المحامي/ محمد سدينا ولد الشيخ ولد أحمد محمود