لم أرك إلا منعما، فما ألقاك رفاقك في التابوت يوما، وما أغضبت قوم فرعون برهة، وما ناجزت عدوا منهم نهارا فوكزته، وما تمعر وجهك طرفة عين في غوي من شيعتك فنهرته ،وما علمنا أنك حين سجد السحرة يوم الزينة كنت من أغضب من يصلب الموحدين فى جذوع النخل، وما نطقت بأف لكم ولما تعبدون يوم كان السامري يأمر وكان عجله الذهبي يخطف أبصار البطلة والمتبرين.
فما أغضبك يا موسي.. ولم يكن من فألك أن تغضب؟
لم تغضب وأنت الكتف الذي لم يؤكل، تجني بيسارك ما قطفت بيمينك من حزب الشعب الموريتاني ثمانية عشر حولا.. وخبرت الاندماج وحرب الصحراء..فما أعلنت ما تضمر، ومار رميت بسهم ..ومن عبر معك اليم.. “هل تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا”..
ويوم كانت الهياكل تأز ، والتطوع يستفز، لم يكن موسي حملا تأكله الذئاب، ولم تنهشه الضباع التي جاست الديار وسامت العباد، عجبا أربع سنوات من الرفس، والنهش، وعربدة الغضب… مرت وموسى يزرع ساربا ونائما ولا يغضب..
ورغم كل المعارك التي خاضها موسى مع الحزب الجمهوري، وكشكول المستقلين ، ومتصوفة حزب عادل عشريتان معشوشبتان، وسنوات زئبقية…ظل موسي متحنثا بالديوان، ومتبتلا مع الرهبان ، وان استغضب..لا يغضب.
شنشنة ما أخرجت الغضب من قمقمه، ذكرت موسى بالعشرية الضائعة، وآلام مخاضها العسير…
لكن هل أغضب الحكيم أن فترة عشرة من سبع وخمسين سنة
لم يتصوف فيها الحاكم، ولم يبايع فيها السجان، ولم يقدم فيها رجال الأعمال الأعطيات، ولم يخش فيها خراف البلد ذئاب وضباع الكادحين؟
أم أن الجمل الأنف..نهش ورفس.. لأنه يظن أن الحاكم رحل أو هو على وشك الرحيل..فلا تخشي زفراته، ولم تعد ترجى نوالاته..هكذا جزم له آذانه في القصر وفي الوزارة
وفي زعانيف الحزب، وعلى بوابة الأولي، وفي هودج
المستقلة؟
يا موسي أنا حزبي اندماجي فلا تغضب، وأنا محارب في الصحراء غربا وشرقا فلا تغضب،وأنا يساري ويميني فلا تغضب،وأنا جمهوري وجهوي وقبلي فلا تغضب، وأنا لينني أحمر وشيخ صوفية أبيض فلا تغضب، وأنا مناضل محترف في التكتلات وكاهن مقترف في القصور الجمهوريات فلا تغضب، وأنا أتقن الروسية والفرنسية كي لا أنضب، وأنا بربري أمازيغي موال مخبت ومعارض معنت، لست حرباء، ولست مخلوقا فضائيا.. لكن قل انني بشر.
خطأ أن يقال ضاعت مني عشرا.. إن كانت العشرية الأولي ضاعت فخمسون سنة شربنا عذبها وأجاجها بلا غضب.
وفي القصر، والحزب، والأحزاب من إن شئنا أغضب وان أردنا تغضب، فمدرستنا عريقة في صناعة الغضب.، وجني ثماره، وحرق المراحل به ، وركوب هودجه ، و إنزال من تحكمنا فيه من الرؤساء بسلاح الغضب.
رحم الله سنوات الغضب، التي أخرجت لنا هذا الغضب؟
غضب ليس له وجهان ولسانان..هذا الغضب مسنا بفحاحكم .. لكنه في كل الأحوال أهون على شعبنا يا موسى من غضب يجلد الأحرار، ويحرق الأخضر واليابس، ويبيع الرفاق، و يسري إلى القصر في جنح الظلام، وبكرة غالبا ليولي الخائن الكذوب ، ويعزل الأمين الصدوق.
فلم لا نغضب؟
ان سحرتم القصور، وحطمتم صلات الرحم، وخذلتم المعارضة، وكنتم السلطة والمعارضة57 سنة، فلم لا
نبايع الغضب ، ونجدد البيعة لأنواع من الغضب؟
يا موسى إن الغضب يحمل الشر كله.. فلا تغضب.. لا تغضب.. لا تغضب
محمد الشيخ سيد محمد / أستاذ وكاتب صحفي