ولد بوحبيني: ولد عبد العزيز كان محقا في إلغاء مجلس الشيوخ (مقابلة)

ثلاثاء, 05/29/2018 - 06:49

-موقع الاستقلال- 

الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني، نقيب محامين سابق، ورئيس سابق لمنتدى المعارضة، أجرت معه صحيفة "القلم" الناطقة باللغة الفرنسية  مقابلة أبدى فيها رأيه حول بعض القضايا الوطنية.

نص المقابلة

القلم:  كمحام، ماذا تعني لك عمليات التفتيش التي قامت بها الشرطة، قبل أيام، داخل منزلي ولد بوعماتو وولد الدباغ المتهمين الرئيسيين في ملف ولد غده؟..  ما السبب في ذلك حسب رأيكم بينما انتهت إجراءات الملف الذي وُرطوا فيه قبل عدة أشهر؟

إنه التعسف، ولا أفترض فيكم أنكم تنتظرون مني إيجاد مسوغات للتعسف الذي كافحته خلال كل مراحل حياتي المهنية.

في خرجة لك، أعلنت مؤخرا أن المعارضة الموريتانية فشلت. إنه اتهام ضخم من قبل شخص كان قد ترأسها. على ماذا تستند في هذه المحصلة؟

نعم، في الحقيقة، وبنية حسنة، قمت، في عدة تصريحات خاصة في خطاب تسليم رئاسة المنتدى لخلفي، بلفت انتباه أصدقائي في المعارضة إلى ضرورة إعادة النظر في واقعهم والاعتراف بأخطائهم بغية أخذ العبر. لأنهم بالفعل وقعوا في أخطاء خلال مسيرتهم، كيف لا، ولا أحد يمتلك العصمة والحياة كلها، أحرى السياسية منها، ملأى بالنجاحات والإخفاقات المتكررة التي تشكل، مجتمعة، مسار الشخص والحركة والتشكيلة، والتي يتعين أن نستلهم منها الدروس لنصحح الأمور أو نضبطها أو نتقدم خطوة. أعتقد أن النقد والتشكيك الدائم يمثلان سمة حسنة، بل ضرورة، وليسا، على كل حال، مذمة.

في كل التشكيلات السياسية، في العالم بأسره، هناك تيارات لكل منها مقارباته المختلفة تارة جذريا عن مقاربات التيارات الأخرى. كل تيار داخل التشكيلة يعتبر، من زاويته، أنها ليست على الطريق القويم أو أن عليها أن تعتمد هذا التوجه أو ذلك دون أن يتنكر لانتمائه لها أو يعتبر أن انتقاده مساس بالتشكيلة السياسية. نعم، أعتبر أن المعارضة فشلت. لقد فشلت مثلا في تحقيق التناوب على مدى عقود. لكن الاعتقاد بأنها هي وحدها المسؤول عن هذا الفشل فيه مبالغة كما أقول باستمرار. والحقيقة أن النظام يتحمل الجزء الأكبر من تلك المسؤولية، ذلك النظام الذي ظل يلوح بالعصا والجزرة ليُركع كل الطبقة السياسية والذي لم يكن أبدا نظيفا في لعبته، لا على مستوى احترام الحريات ولا على مستوى احترام معايير النزاهة والشفافية في الميدان الانتخابي.

صحيح أن المعارضة فشلت في تنسيق عملها، وفي إعداد وتقديم مشروع مجتمع مشترك، وفي التوحد من أجل إنجاز مشاريعها والاتفاق على الأهم. فعندما كان الرئيس أحمد ولد داداه قاب قوسين من الوصول إلى السلطة منعته المعارضة من ذلك، وعندما بادر الرئيس مسعود ولد بلخير إلى القيام بحوار، في وقت كان فيه كل شيء ممكنا، منعته المعارضة من ذلك، وعندما تعززت قوة منسقية المعارضة انسحب عنها حزب تواصل، وعندما تعززت قوة منتدى المعارضة انسحب عنه حزب التكتل، إلى آخر اللائحة. إذن المعارضة فشلت.

أيعني ذلك أن عليها أن تقيم الحداد على تناوب لم تزل تطالب به؟ ماذا يمكن، أو ماذا على المعارضة، في مختلف أطيافها، أن تفعل كي تتحاشي هذا الفشل المبرمج؟

على المعارضة أن تفهم أن التناوب ليس مرادفا للتبادل من حيث هو: " انتهت مأموريتكم وحان دورنا". التناوب يُستحق من خلال المشاريع، ومن خلال القدرة علي الإقناع وعلي التعبئة حول هذه المشاريع، وإلا لا شيء يمنع السلطة القائمة من أن تنتظم لتضمن لنفسها الاستمرار.

إن على المعارضة أن تفهم ذلك لكي تغير استراتيجيتها، ولكي تبدع، ولكي تعلم أن مشاكل اليوم ليست مشاكل الأمس، وأن الأساليب يجب أن تتلاءم مع سياق اليوم. لابد من إعادة تقييم المستوى واعتماد سياسة تلامس الواقع بالنسبة للمواطنين خاصة الشباب الذين يطمحون إلى التغيير. وعلى المعارضة أن تفهم أنه ليس من حقها أن تخيّب آمال كل هؤلاء. يجب عليها أن تعيد ربط حبل الوصل مع المواطن، وأن تحمل في طيات قلبها همومه، وأن تؤطره، لأن القطيعة معه باتت، هذه الأيام، حقيقة ماثلة. إن عليها أن تأخذ في الحسبان تطلعات هذا الجمهور وأن تنزل إلى ميدانه وأن تخاطبه بما يفهم.

إن على المعارضة أن تقوم بإعداد برنامج مشترك للحكامة، وأن تتوقف عن كونها لم يعد لديها من عمل يومي غير اجترار ماذا فعل عزيز وماذا لم يفعل. وإن عليها أن لا تظل مركزة، كما هو حالها منذ سنوات، على: " يغادر، لا يغادر، مأمورية ثالثة، وريث". إن عليها أن تركز على مشروعها لأن ما سبق ذكره ليس مشروعا البتة. وإن عليها أن تعرف أنه بدون اقتراح مشروع بديل للموريتانيين، فإنهم، مكرهون ربما غير أنهم محقون، سيختارون الأدهى بدل المجهول.

بعض أصدقائك في المعارضة يعتبر أن تصريحاتك شرسة، ويعتقد أن سبب تصريحاتك اليوم هو أنك، ببساطة، لم تستوعب رفض المنتدى عندما عبرت عن استعدادك للمشاركة في حوار دبره النظام سنة 2016 إبان رئاستك له، وأيضا لأنك ربما أصبحت على يقين أن هذه المعارضة التي جعلتك تتخلى عن ترشحك لرئاسيات  2009، التي قاطعتها هي، لن تجعل منك مرشحها لرئاسيات2019. بماذا ترد عليهم؟

بادئ ذي بدء، فإن أصدقائي في المعارضة لا يرون أن تصريحاتي شرسة، وإنما يرون، ببساطة، أنني أقول بصوت عال ما يقولون كلهم بصوت خافت، وأنه ما كان لي أن أفعل. ويجب التذكير أنني عضو في المنتدى ضمن قطب الشخصيات المستقلة ولست ضمن قطب الأحزاب السياسية. إنني أراقب الأحزاب السياسية من خارجها، ولا أوافق على ماضيها ولا أحْرم نفسي من التحفظ على عملها. إضافة إلى ذلك فقد شرحت أنني لا أنتظر درسا في مجال المعارضة من أي كان. لدي خصوصيات تجعل أي شخص في المعارضة لا يمكنه الزعم بقدرته على إعطائي دروسا في المعارضة.

وعكسا لكافة أصدقائي، الذين هم، باستثناءات قليلة، وزراء سابقون ومسؤولون في الأنظمة التي تعاقبت على موريتانيا وتقربوا كلهم، بصفة أو بأخرى، من النظام الحالي، فأنا لم أتعامل أبدا مع أي نظام حتى ولو كنت مقتنعا أن التعامل مع الأنظمة ليس عيبا بحد ذاته.

أما الخصوصية الأخرى التي تجعلني الوحيد من بين قادة المعارضة القادر على تبني هذا التصريح، مما يعني أنه لا أحد يمكنه منحي درسا في المعارضة، أن مفخرتهم تكمن في أنهم لم يختلسوا أبدا أموالا عامة، بينما مفخرتي أنني لم أحصل خلال حياتي على أوقية واحدة من المال العام. لم أحصل أبدا على منحة من الدولة عندما كنت طالبا، ولم أحصل أبدا على عقود أو صفقات من الدولة، ولم أحصل أبدا على قطع أرضية من وزارة المالية، ولم أتعامل أبدا مع أية إدارة أو وزارة أو مرفق عمومي حتى كمحام، وحتى لو كان ذلك بصفة مشروعة، فأنا لا أعرف المال العام، مع استثناءين اثنين لا ثالث لهما:  الأول أنني حصلت سنة  2005، خلال المرحلة الانتقالية، على مبلغ 1.500.000 أوقية (الأوقية القديمة طبعا) عندما كلفني، وآخرين، وزير العدل حينها النقيب محفوظ ولد بتاح، بمراجعة قانون الإجراءات الجنائية. والثاني عندما اقترحني الرئيس بيجل ولد هميد، دون علمي، في تشكيلة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات التي شاركت فيها المعارضة بعد اتفاقية دكار، وقد حصلت، على مدى ثلاثة أشهر، على راتب عضو فيها. فباستثناء هذين المبلغين، لم أحصل أبدا على أوقية واحدة من المال العام حتى بصفة شرعية، مع أنني أدفع ضرائبي بانتظام. غير أن ذلك كله ساعد في تعزيز استقلاليتي.

بيد أن مقاربتي للمعارضة هي، بالنسبة لي، تعبير عن طموح لبلادي، فأنا أتمنى لبلادي أن تصبح دولة قانون، وأن تصبح ديمقراطية، وأن تجسد المساواة بين مواطنيها، وأن تضمن تسييرا نزيها وشفافا لثروتها وأن توزعها بعدالة. وبالنسبة لي فإن معارضتي ليست ضد أي شخص بعينه وليست من أجل أي شخص بعينه.

بالنسبة لاستعدادي للدخول في حوار دبره النظام سنة 2016 إبان رئاستي للمنتدى، فلم أخف أبدا أنني كنت مؤيدا للحوار وأنني حاولت إنجاحه لعدة أسباب: منها أنني لم أساند أبدا فكرة "إرحل"، فأنا أعتبر أننا إذا كنا ديمقراطيين فإن علينا أن نحترم المأموريات، فأي رئيس منتخب عليه إنهاء مأموريته حتى الدقيقة الأخيرة، ولكن يجب أن لا يتجاوز مأموريته بدقيقة واحدة. إنني أرفض فلسفة "الرحيل" إلا من خلال صناديق الاقتراع، كما أرفض المأمورية الثالثة. فهذه وتلك تشكل كلها انتهاكا لمبادئ الديمقراطية. وقبول إحداهما يعادل قبول الأخرى.

وعكسا لبعض أصدقائي في المعارضة، ممن لا يخفون ذلك، فأنا لا أرجو رحيل عزيز بأي ثمن (أعني دونما أي نظر إلى طبيعة الثمن المترتب على ذلك.) فالانفجار والفوضى اللذان يتمناهما البعض، والانقلابات التي يدعون إليها بصفة شبه مباشرة، لا تشكل جزءا من حلولي لسبب بسيط هو أن الانفجار خطر على الجميع، ولا يوصل إلى أية جهة، ولا أحد يمكنه توقع عواقبه، وبالنسبة للانقلابات فستجرنا إلى الحلقة المفرغة القائمة على أيام تشاورية وفترات انتقالية لا تنتهي..  وأعتبر أنه حان الوقت للطبقة السياسية كي تلغي هذا الحل من حساباتها (من المحزن أن كل الانقلابات العسكرية التي لطخت تاريخنا إما أعدتها الطبقة السياسية وإما باركتها).

بالنسبة لي، فإن "إرحل" والانفجار والانقلابات لا تضمن تناوبا سليما. وبالتالي لا أومن إلا بحل واحد يمثل الركيزة الحقيقية للديمقراطية:  إنه الانتخابات. لكن لابد من أن تكون الانتخابات ذات مصداقية وأن تكون شفافة لكي تضمن التناوب، ولكي تكون كذلك لابد أن تنظمها هيئات حرة ومستقلة يوثق بها، إذن توافقية. ومن أجل ذلك لابد من أن نتكلم ونناقش ونتحاور مع النظام.

كنت أعرف بأن المعارضة إذا فاتتها فرصة الحوار الذي يمكنها من مشاركة معينة في المسلسل الانتخابي (اللجنة المستقلة للانتخابات، اللائحة الانتخابية، إلخ) ستبقى خارج اللعبة دونما أي تحكم في المسار. وستكون أمام خيارين شاقين، فإما أن تشارك من موقف ضعف في انتخابات لم تستعد لها ودون ضمانات بالشفافية كما وقع سنة 2009، وإما أن تقاطع كما وقع سنة 2014 دون أي تأثير على المسلسل.

لهذا كنت مساندا للحوار، وكنت أود منح الأولوية لشروط انتخابية مختلفة عن سابقاتها حيث يشارك فيها الجميع ويعترف بنتائجها الجميع.

لهذا ناضلت جهارا من أجل الحوار. كنت أريد له أن ينجح، غير أن هذه المقاربة كانت بعيدة من أن يتقاسمها الجميع. إنني على اطلاع على الموضوع لأنني كنت في قلب المسار إذ كنت رئيسا للمنتدى. ما وقع هو أن النظام كان سباقا إلى اتخاذ المبادرة وإن كنت غير واثق من نواياه، لكنني أعترف بأن المعارضة تلاعبت بالمبادرة من خلال "الممهدات" التي شكلت عائقا متعمدا أمام المسار.

لم يكن الطرفان على حق، وأذكّر بأن رفض النظام لإطلاق حوار يظل أخطر من رفض المعارضة مشاركتها فيه، لأن النظام ربما يجهل أن رفض الحوار قد يقود إلى آفاق غير محمودة.

خلال ما يقارب الأربعة أشهر سيكون على الموريتانيين انتخاب مجالسهم المحلية والجهوية ونواب جمعيتهم الوطنية. كيف تنظرون إلى هذه الاستحقاقات؟

كما قلت، فإن الانتخابات بالنسبة إليّ هي رافعة الديمقراطية، والديمقراطية تتم صياغتها عبر الممارسة.

المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الذي تعتبر عضوا فيه، قرر المشاركة في الانتخابات. كيف تقيمون حظوظها مع أنه مقصي من تسيير المسلسل ومن ثم جميع أجهزة الرقابة؟

أعود إلى فشل المعارضة. عندما طلبت من المعارضة أن تعترف بأخطائها وأن تنظر إلى واقعها وأن تعمل وفق ذلك، أعطيت مثال الانتخابات لأخذ الدروس من المشاركة الفاشلة سنة 2009 ومن المقاطعة الفاشلة سنة 2014 بصفة تكون معها كل مشاركة أو مقاطعة قادمة أكثر فعالية من سابقاتها. وهو ما سميته أخذ العبر من أخطاء الماضي الذي طالبت به على الدوام. لقد طرحت هذه القضية قبل سنة خلال اجتماع للمنتدى في مقر تواصل شارحا أنه ستكون هناك انتخابات في القريب العاجل وأن الوقت مناسب لتناول القضية بغية اتخاذ التدابير المناسبة، لكنهم ردوا علي بأن القضية ليست ضمن جدول الأعمال، وأن هذا النوع من المواضيع يمكن أن يفجر المنتدى عند إثارته (وحده الرئيس محمد ولد مولود ساند اقتراحي.) أجبتهم بأن المنتدى، إذا كانت ستواجهه مخاطر الانفجار بسبب معالجة القضايا الجادة التي لا مفر منها، لا أري شخصيا فائدة من المحفاظة عليه، إلا إذا كان يمثل خدعة بصرية يراد بها أن نجعل الناس تعتقد أنه ثمة تحالف للمعارضة بيد أنه لا وجود له فعليا. وأخشى، للأسف، من أن تكون المعارضة معرضة اليوم لنفس السيناريو.

والحقيقة أن المشاركة اليوم تشبه، لأكثر من سبب، المشاركة في سنة  2009، فضمانات الشفافية غائبة، والمعارضة ليست لديها مشاركة في الرقابة، وليست ممثلة في اللجنة المستقلة للانتخابات، وهي تأتي متأخرة إلى ميدان احتله بقوة منافسها، وتأتيه في صفوف متفرقة مع بعض المقاطعات المنتظرة في صفوفها، وبكلمة واحدة:  نفس السيناريو لسنة 2009  ونفس الأخطاء المتكررة.

أفهم أنه صعب على المعارضة أن تبرر مشاركتها الحالية على اعتبار أن الأسباب التي دفعتها للمقاطعة سابقا ما تزال قائمة. وعلى كل فأنا من ضمن من يعقدون أن سياسة المقعد الشاغر هي أسوأ الخيارات.

بعد الانتخابات المحلية، سيكون على الموريتانيين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، هل يمكنك أن تقول لنا ما إذا كنت ستترشح للرئاسيات؟

لابد أن أوضح أن السياسة ليست ميولي الأساسي. لقد التحقت بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة لأن إنشاءه تزامن مع نهاية مأمورياتي كنقيب لهيئة المحامين:  مأموريتان كرستهما للكفاح من أجل حقوق الإنسان والحرية والمساواة وفصل السلطات واستقلال العدالة: الركائز الأساسية لدولة القانون والديمقراطية. وقد بدا أن المنتدى تم إنشاؤه حول نفس المُثـُـل والمبادئ. وكانت الأحزاب السياسية قد تقبلت فشل تحالفها في "منسقية المعارضة الديمقراطية" التي انفجرت للتو بعيد الانتخابات التشريعية والبلدية سنة2013. أما المنتدى فأنشئ على شكل تجمع واسع يجمع، فضلا عن الأحزاب السياسية، شخصيات مستقلة ونقابات ومجتمع مدني بهدف تجميع كل القوى الطامحة للتغيير.وهكذا وجدت في المنتدى طريقة لمواصلة كفاحي. رغم ذلك، لا أحرم على نفسي لعب دور سياسي. إذا كان بإمكاني لعب دور سياسي يمكنه، بالتماشي مع مبادئي، أن يقدم البلد، فلن أتردد عندما تجتمع الظروف لكي أترشح أو أدعم مرشحا.

من أجل تنظيم ومراقبة هذه الانتخابات، تم إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات، ما هو انطباعكم تجاهها؟

كان بودي أن يكون اختيارها توافقيا أكثر، مما سيمنحها مصداقية أكبر. فاللجنة الحالية تكرس إقصاء جانب كبير من الطبقة السياسية، وبالتالي تكرس إرادة السلطات  في إحكام القبضة على المسلسل الانتخابي، إنه أمر غير مقبول.

لقد شجبنا باستمرار التسيير الأحادي الذي ينم عن  غياب الشفافية البيّن، وهو مؤسف أكثر إذا ما علمنا أننا على عتبة استحقاقات حاسمة بالنسبة لمستقبل البلاد. وإنني، من هذا المنبر، أدعو السلطات إلى أن تعمل كل ما من شأنه خلق الظروف المواتية لانتخابات حرة وشفافة. لقد حاز الموريتانيون قدرا من الوعي بحقوقهم وراكموا، بتضحياتهم وكفاحهم، تصميما ليس من مصلحة السلطات أن تستخف به.

لقد اتسمت السنة 2017 باستفتاء دستوري كرس إلغاء مجلس الشيوخ وتغيير كلمات النشيد الوطني وألوان العلم الوطني. ومثـّـل ذلك معركة بين النظام والشيوخ الذين الغوا النص. وإثر ذلك قيم باعتقالات كان من ضمنها موكلكم الشيخ محمد ولد غده الذي أصبح، فيما بعد، ضمن ملف عرف بملف "بوعماتو وأصحابه"، هل تعتقدون، على غرار المعارضة، أن هذه المرحلة شهدت تراجعا للحريات في موريتانيا؟

فيما يخص الاستفتاء الدستوري، لا أوافق على تغيير كلمات النشيد الوطني وألوان العلم الوطني. أعتقد أن لدى موريتانيا ما تقوم به مما هو أكثر إلحاحا وارتباطا بشؤون الحياة. بيد أنني أعتقد أن عزيز كان محقا في إلغاء مجلس الشيوخ. هنا أيضا أرفض الزيف، وأنا على يقين أن كل المعارضة، مثلي، تعتبر أن مجلس الشيوخ جهاز ثقيل وأنه من الكماليات بالنسبة لبلادنا. فالأموال المخصصة لمجلس الشيوخ يمكن أن تفيد في أمور أخرى منها بناء المدارس والمستشفيات وضمان التكوين والتشغيل لمكافحة البطالة لدى الشباب. بالنسبة لي، (وبالنسبة للمعارضة كلها)، فإن إلغاء مجلس الشيوخ كان مطلبا، وأرى أنه ليس من المنطقي اليوم أن نجعل من إعادة مجلس الشيوخ مطلبا فقط لأن مبادرة إلغائه أتت من النظام. وفي النهاية فإن مجلس الشيوخ، كما هو حال الجمعية الوطنية، لم يكن غير آلية تصفيق تعمل لصالح القادة والأنظمة.

مجلس الشيوخ لم يكن أبدا إلى جانبنا في كفاحاتنا من أجل الحرية والمساواة والعدالة. فالرجال والنساء الخيّرون القلائل الذين وصلوا الغرفتين لم يشكلوا أبدا العدد الكافي لمنعهما من أن يكون آلية تصفيق تعمل لصالح النظام. وفي حين أوافق على مبادرة عزيز التي ألغت مجلس الشيوخ، أشجب المسار غير الشرعي الذي سلكه باعتماده على المادة 38 من الدستور.

بالنسبة للتدابير المتخذة ضد الشيوخ والصحفيين والنقابيين، فإنه ليس لها أي أساس قانوني، وما من شك أنها تبرهن على تراجع في الحريات.

بعض مساندي النظام يلحون في المطالبة بمأمورية ثالثة للرئيس عزيز الذي أكد مؤخرا، ومرة أخرى، أنه سيحترم الدستور. هل لديكم قناعة حقيقية أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي تنتهي مأموريته الأخيرة سنة 2019، لن يغريه تعديل الدستور كما فعل بعض زملائه في إفريقيا من أجل الحصول على مأمورية ثالثة؟..  في حالة أنه انثنى أمام الإغراء، كيف ستكون التعقيدات السياسية في البلاد؟

لست ممن يركزون كل اهتمامهم حول قضية المأمورية الثالثة. أعرف، منذ البداية، أنه نقاش لا معنى له، لأن الدستور لا يقبل بمأمورية ثالثة، وبالتالي فباب النقاش بشأنها مسدود. إضافة إلى ذلك فالرئيس قال بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة، وكرر ذلك القول، ما يعني أن نقاشها غير وارد، وإن علينا أن نـُسَرّ بذلك ونهنأ به، لأنه حتى ولو أنه بامتناعه عن الترشح لمأمورية ثالثة لم يفعل غير احترام الدستور، فإن ما يجري في إفريقيا في زمننا هذا يستدعي الاعتراف له بأنه عملٌ شجاع يستحق الثناء. غير أنه لا يكفي، فلابد أن يرافقه ما يمنحه معنى:  أي حياد الإدارة والمنع التام لاستخدام وسائل الدولة لصالح بعض المرشحين أيا كانوا، ووضع قواعد للعبة تكرس النزاهة والشفافية.

احتضنت موريتانيا، مؤخرا، اجتماع اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.. ماذا يلهمك هذا الاجتماع بوصفك محام؟

أمتنُّ به، إنه ينعقد على الدوام في غامبيا، ولا شيء يمنعه من الانعقاد في موريتانيا. كما أمتن بكل الأحداث الدولية التي تدور في موريتانيا. وأتمنى النجاح التام للقمم التي ستنعقد في موريتانيا مثل القمة الإفريقية.

الاتحاد من أجل الجمهورية سجل أكثر من مليون انضمام خلال حملة الانتساب القائمة حاليا. كيف تعلقون؟

إنه غش كبير كالعادة، ومما يؤسف له أن أكبر المتورطين في هذا المسار السخيف، القائم على جمع بطاقات التعريف، كانوا من ضمن الأطر الذين نعول عليهم لتنوير توجهات الشعب. وقد لاحظت، من خلال هذه العملية، العودة القوية للقبلية، ما يعني أننا ما نزال بعيدين، الأمر الذي يشكل مجالا للتفكير. إننا محكومون منذ عقود من قبل عسكريين لن يتخلوا عن السلطة إلا من خلال ضغط يقوم به حراك واسع يطالب بديمقراطية حقيقية، فنسبة الأمية في الشعب تزيد على الـ 50 في المئة، وخيار هذه الشريحة من المواطنين يظل مشوّها مسبقا وموجها، لا يهم من قبل من: الإدارة، الزعيم التقليدي، رجل الأعمال، الشخص المؤثر الذي يتبعون له اقتصاديا. والنخبة التي يجب، مبدئيا، التعويل عليها لتنوير خيار الشعب تحتاج هي نفسها إلى الانعتاق. والحقيقة أن الأطر الموظفين، الذين يشكلون أغلبية أطر الدولة، يقعون في شراك وظائفهم التي تجعلهم واقعين تحت جبر السلطات السياسية. أما باقي النخبة فقد تملـّـكهم القنوط ولم يعودوا يؤمنون بأي شيء. هذه الوضعية جعلت الخطاب المتطرف يملأ الفراغ.

ما تحتاجه موريتانيا، حسب اعتقادي، يتمثل في عمل عميق يقوم على تعليم الموريتانيين وتمتين عرى صلاتهم وتوحيدهم حول الأهم:  أي أن يواجهوا، معًا، تحديات الإرهاب والجفاف والجهل والتخلف، وأن يواجهوا، مجتمعين، الفرص الهائلة المفتوحة أمامهم: تلك الفرص التي خولتها، من بين أمور أخرى، الموارد الغازية التي ستصدّر خلال سنتين لنقلب نهائيا صفحة الفقر والجهل والبطالة من أجل خلق أمة عادلة ومتضامنة. لكن هل تعي نخبنا وقادتنا ما تفرضه تلك الفرص من تحديات؟..  لا شيء يؤكد ذلك إذا ما لاحظنا انشغالاتهم الحالية، وكيف يتناولون مستقبلنا وخاصة كيف لا يتناولونه، ليظلوا حبيسي تفاهات، لا تشرئبُّ أعناقهم إلا إلى الماضي.