-موقع الاستقلال-
لجان الانتِساب: غلط!
من مَوقِع المراقِب المستقِل أقول بأنّ حزب upr يحاول العَودة بالبلاد إلى عهد الحزب الواحد!؟ أقول هذا، ولستُ قطعا ممن يمكن اتّهامهم بالثّورية أو حتّى بالمعارضة الرّادِكاليّة؛ ولكنّها حقيقة مرّة وصادِمة أقولها بصراحة، وأسأل الله أن يحفظ موريتانيا من خطر هذه الانتِكاسة. والدّليل على صحّة ما أقول تجدونها في لجان التحسيس المكَوّنة حصريّا من الوزراء والمستشارين والمكلفين بمهمة في رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى. أدري أنّ الخطوَة جاءت تكتيكيا لتفادي الاصطدام بطموحات الأطر والنشطاء ورغبتهم الجامحة في التعيين والظهور والحضور والمشاركة؛ فاختارت لجنة التّشخيص تَحاشي الحساسيات والابتعاد عن إكراهات التمثيل والتوازنات القبلية والشرائحية والعرقية والجهوية، إلخ.. واعتمدت مضطرّة معايير تقيها شرّ الاحتجاجات..فلجأت إلى العمل بالقاعدة المعروفة: تَرك الكُل رِضا الكُل!
وعلى الصعيد الاستراتيجي، جاء تشكيل اللجان ضمن مساعي واضحة لدمجِ الدولة في الحزب، ودمج الحزب في الدولة، وانصهار الكُلّ في الكلّ على نمط مؤسّسي وشمولي.. ويُعَدُّ هذا التّوَجه مغامرة كبيرة في الوقت الذي يستعِدُّ فيه البلد لإنجاز تحَوّلات سياسية صعبة وعميقة تحتاج إلى احترام حرية الاختلاف وانفصال العملية السياسية عن إدارة الدولة لتمارس هذه الأخيرة مهمتها بعدالة ونزاهة وحيّاد، قدر المستطاع! ومن هنا تأتي خطورة "ذَوَبان" الدولة في الحزب و"ابتلاع" الحزب للدولة برجالها ومواردها وطاقاتها.. لا أعتقد أنّ أمرا كهذا يمكن أن يمرّ بسلاسة وكياسَة، بل أخشى ما أخشاه أن يفتح باب النكوص والتّراجع والانكِفاء؛ لا قدّر الله!
سيقول قائل: كيف العَودة إلى الحزب الواحد والتعددية على أشدّها في البلاد؟ والجواب هو أنّ الأحزاب التي تولد من رِحم السلطة ولأجل السلطة غالبا ما تتشَظّى إلى عدّة شظايا تُسَمّى من باب اللياقة والحَياء: "أحزاب"؛ ولكنّها في الواقع مجرّد "ألكترونات" تدور حول نواة الحزب "الأم" ومرتبطة به. لقد أثبتت تجارب العالم أنّ نظام الحزب الواحد مجبولٌ بطبيعته على انتِحال واصطِناع "تعدّدِية زائفة" لإحتواء المصالح والآراء والطموحات المختلفة،، وقد يتِمّ ذلك عن طريق تعدد "الشظايا" من خارجه، وقد يكون بتعدُّد "الطوائف" من داخله.
وسيقول قائل: الوزراء مناضلون في الحزب ويؤدون مهمة حزبية.. هذا صحيح؛ ولكن مهمتهم الحزبيّة هي الوزارة! فالحزب هو من اختارهم للعمل الحكومي، وهو أدرى بما يَتَرَتّب على ذلك من ضرورة المثابرة والحضور والحِيّاد والابتعاد عن المصالح الحزبية الضيّقة. إن الدولة مؤسسات منفصلة عن بعضها البعض. ولذلك، ينبغي لأي حزب كان توزيع رجاله بين المؤسسات واحترام الفصل بينها. وفي هذا السياق، أقول بأنّ فائدة الوزير على حزبه تتحدّد من خلال عمله على رأس قطاعه الوزاري، ولا تتحدّد بمدى إتقانه للإنتساب. ما فائدة وزير يُجيد الانتساب.. ولكنّ قطاعه خراب!؟ الأفضل والمطلوب هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وسيقول لي آخر: حبّذا لو أتى هذا الكلام من غيرك؟ وأين كنت أيام prds؟ إلخ،،، والجواب هو أنّ أهل prds هم من يستطيعون الحديث عن هذا الموضوع لدِرايتهم به. إنّ حقيقة ما يجري قد تنطلي على شابّ يافع لم يكن يوما على تماس مع الأحزاب الشمولية، ولكنها لن تنطلي على غيره ممّن كانوا في الصف الأول والثاني والثالث من الأحكام السابقة... لا أقول هذا الكلام من منطلق التخوين معاذ الله، ولا حتى من منطلق الانتقاد لقيادات upr؛ وإنما للتنبيه إلى أنّ العَودة إلى "مأسَسة" الحزب ومحاولة "ضمِّ الدولة" للحزب أصبح أمرا بالغ الخطورة.. ويَتَناقَضُ وجودِيّا مع سقف الحريات والطموحات والمكاسب الفردية والجماعية داخل البلد وفي المنطقة والعالم. وأتمنّى أنْ أكون مخطئا!
الوزير والسفير السابق: محمد فال ولد بلال