عندما يفرض الاعتذار نفسه ( استرضاء المرأة نموذجا)

ثلاثاء, 05/28/2024 - 18:48

-موقع الاستقلال - نشر الزميل محمد الأمين أحمدديه عبر صفحته على الفيسبوك مقالا رصينا استعرض فيه ثقافة الاعتذار للمرأة عند الموريتانيين، وضرب عددا من الأمثلة بهذا الخصوص، وقد لقي المنشور استحسان المئات من متابعي صفحة الزميل ولد احمدديه على الفيسبوك.
وهذا نص التدوينة:

" الاعتذار هو تحويل الشعور الداخلي بالأسف إلى اعتراف بالخطأ، واسترضاء للشخص الذي أسأنا معاملته!

وتتعدد صنوف الاعتذار، وإن كانت ترضية المرأة أو استرضاؤها من أكثر مراتب الاعتذار رقة وأصدقها عاطفة، وفي هذا السياق، يقول شاعر المرأة نزار قباني في إحدى اعتذارياته الجميلة :
... أقدم اعتذاري.
عن كل ما كتبت من قصائد شريرة.. في لحظة انهياري.
فالشعر يا صديقتي منفاي واحتضاري.. طهارتي وعاري.
ولا أريد مطلقا أن توصمي بعاري..
من أجل هذا جئت يا صديقتي أقدم اعتذاري.

وقد درج شعراء هذه الربوع، على تدليل المرأة والرفق بها، امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم " رفقا بالقوارير..." حيث تعودت المرأة - في المجتمع الموريتاني- إلقاء الحبل لها على الغارب، ولهذا فمجردُ عبارة "نابية" من الزوج كفيلة بأن تجعل المرأة تحزم أمتعتها وتغادر إلى أهلها،أحرى إذا وصلتها وشاية أو أحست بالإهمال واللامبالاة .
ولابد للمرأة في هذه الحالة من جبر الخاطر، ولايكون ذلك إلا عن طريق الإعتذار أو "المرظة" كما يطلق عليه محليا- ومهما كانت المبررات فلا يليق بالزوج أن يعيد زوجته إلى بيته عنوة عبر القضاء فذلك يخدش المروءة، بل عليه أن يبحث لها عن طرق ودية لترضيتها وإعادتها إلى البيت راضية مرضية.
وقد تغني قصيدة شعرية فصيحة أو شعبية عن جميع أشكال الترضية لما يلخص الشعر من مشاعر وجدانية صادقة ، ومعاني رقيقة ٱسرة، .ومن ذلك ما أقدم عليه الشاعر الأديب محمد ولد أبنو، عندما سمعت زوجته أنه متزوج عليها سراً، حيث قام بترضيتها بهذه الأبيات:

قلبي لعمرانه لا يصبو لغانية == إلا إذا كان لي في الحال قلبان

قلبان في معصميها هيجا شجني == لا غرو إن هيج الأحزان قلبان

البان هدم صدري ميسه وبنى == شجوي، فلله هذا الهادم الباني

وما إن ترددت على مسامع “عمرانه” هذه الأبيات حتى عادت لبيت زوجها راضية مستبشرة.

ولم يكن عمالقة الشعر الحساني بمعزل عن هذا الغرض، فقد أسهبوا فيه، وأسهمو كل من موقعه..
فهاهو الأديب أعمر ولد اشريف يسترضي خاطر زوجته بالشكوى إلى الله من أصحاب النميمة والوشاية:

ءان شنواسي يالشفاع.. فلِّي واقعلي من لوجاع
فاتت في كرظه، وانصاع..اخبرها ووف متكاني
وِبَان اطر فِيّ منجاع.. من كرظه متكاني ثاني
واثري مَلاهْ انسل اكراع.. من لوخر ماغاس الثاني

وءان مانكدر ما نبعاد..لحظة، عن مولات أحزاني
وأهل الكرظه كابظهم عاد .. في "باسيط اللسان"!

ويفندُ الأديبُ أحمد سالم ولد ببوط ماتناقله الوشاة، مستندا في مرافعته الأدبية اللطيفة على مبررات عدة من بينها الشيب، وهموم العيال، وشدة تعلقه بأم عياله، فهذه العوامل مشترَكة تمنعه –حسب قوله- من ماأشيع عنه:

مذكورين الخطار == بيهم كثرت لخبار
كَالو عن فطار == نتونس غير اكذيب
بعذاري عت اكبار== وفراصي عت الشيب

والهم اشطن بالي== وفبالي من لعطيب
من حزم ام اعيالي== ش غريب وعجيب

ولا تزال نغماتُ أيقونةِ الفن الراحلة ديمي منت آب رحمة الله عليها عالقة في الأذهان وهي تصدح بإعتذارية الأديب الأريب عبد الله السالم ولد المعلا.. بصوت شجي يُهيّج الأشجان،ولاتمله الآذان
إمن إمُغنِ كافيك واجـــــــلاج الدايـم والشوف
إمغني يوف، واجلاج== يوف والشوف توف

ويعتبر الاعتذار من الأسباب التي تجدد الاحترام للذين أسأنا اليهم ولوعن غير قصد، وهو يفتح باب المواصلة للباب الذي أوصدناه وأغلقناه في وجه الآخرين، ولايأبى الإعتذار إلا من تأخذهم عزة النفس بالإثم!

خالك ياسر مان ناسيه == من عزت قرة عيني
وخالك ياسر ظنتني بيه == ماه فخلاك ماني
قرة عيني من لريام == ماه كيفت لريام، احرام
أنصر منهم، وزين تبسام== وكَردْ منهم بالكلي
ولان فيهَ سامع لكلام == غير الها كاصر وذني
وِلَعاد افكعْه روْسَايْ == الْشِ كلتُ ماجاها جايْ
مَرّة وحدَة كَال الشّوّايْ == أراعيهَ وردت فيّ
وامْرَظيهَ عاد من أرايْ == اعليّ مرظاه هيّ
لعاد إرظيه لبتيت == ذان فيهْ اعليهَ غنيتْ
بي عزته ماشفريت == افلبتيت، وكلت البيّ
وُلاهِ غريبه .. لاوليت == سابك وجبرت الدّربيّ

وفي الإعتذار عن ذنب لم يرتكب نجد الأديب لحسن ولد حيمُدّه يرضى بكل مايصدر عن زوجته من عتاب، شريطة أن يكون على انفراد، لئلا يُفقده هيبته ومكانته :
وسيتيل ش ماه امكاد == كدام الناس ولاني كاد
نجلج فيه ولاه زاد == كد ال جلج وبلا باس
يغير اتكدي يالعراد == اتواسيلي كنت بملاس
ذل وسيتيلي ماعاد == متواسيلي كدام الناس!

وأخيرا فالإعتذار حركة تسمو بها نفس الشخص وتكبُر، قبل أن يكبُر المعتذِر في أعين الآخرين، لأن في ذلك مراجعة ومحاسبة للنفس!

مَرْظاك اعْلِــيّ باح == يَغْل ناثــــي لكْبــــاحْ
عاكبْ ذَ من تشبــــــاحْ == ومْن اهْجـَــــــــارْ إوَحّـــــدْ
ذانَ متوَحّــــــــدْ.. بـاحْـــــــــر امّــــــــــــــالِ متوَحّــــــدْ
ومْرَظّيكْ .. وُجَيْتَــــكْ == زايزْ - فَغْــــــــــلاكْ – الحَـدْ
وِلَــــــــى مَ رَظّيْتـــكْ == مــــــــاتَيْتْ امْرَظِّــــي حَــــدْ!

ومن هذا المنطلق، فإن أشد المكابرين الرافضين للاعتذار، هم من الذين يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية لا تخطئ وإن أخطأت فهي سامية لا تعتذر لمن هم دونها مرتبة، وهذا هو الكبر بعينه، وهو صفة من صفات الشيطان!

يالريم المادارك فصلي == فيك، ولانختير احراجك
تجلاجك مانبغيه أصلي== وامّحْوَرْ في تجلاجك

كما أن الاعتذار ليس مجردَ لطافة فحسب، وإنما يعطي الأمل بتجديد وتعزيز العلاقة، أيا كانت ماهية تلك العلاقة!

غيظك ناعت فيه عذري .. ؤُفدوَ غيظك ما انشفري
كد اللي يالريم يبري .. غيظك ماه خاص
امن المرظه وآمسكري .. والكب اعل الراص!

خالص المودة"

رابط المنشور عبر صفحة الزميل محمد الأمين أحمدديه على الفيسبوك
https://www.facebook.com/share/v/nMP2zJNa8PLQn4jw/?mibextid=oFDknk