-موقع الاستقلال- مع أستار ليلة الجمعة المنصرمة، غادر السياسي والحقوقي الصوفي ولد الشين عالم الأحياء، مضرجا بدمائه وآثار الكدمات كما ظهر في صور متداولة يعتقد على نطاق واسع أنها تعود للضحية.
الصوفي ولد الشين خمسيني ينتمي إلى مقاطعة كوبني، يحمل اسما متداولا هنالك، يتحدث بخطاب حقوقي توافقي اكتسبه خلال الفترة الأخيرة، إثر نشاطه القوي في دعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
يقيم ولد الشين في مقاطعة الرياض، لكنه ناشط ذو علاقات قوية في مختلف مناطق العاصمة، وظهر لاحقا أنه مدين لشخص لم يظهر اسمه ولم يعرف عنه سوى أنهما ينتميان إلى شريحة واحدة.
في فترات ماضية كان ولد الشين وجها معروفا في مقاطعة السبخة، حيث كان بائع ملابس شهيرة، يلفت الانتباه بطريقته في الحديث بالإنكليزية، حتى حمل في ذلك السوق لقب الصوفي الأمريكي.
تطورت قضية الدين بعد أن رفع الدائن شكوى ضد الصوفي الذي انتقل وفق ما تقول أخته إلى مفوضية دار النعيم وهو يقود سيارته، قبل أن يخرج منها جنازة ذات آثار دامية.
ماذا وقع، ولماذا وقع، تتضارب الأنباء وتتعدد بتعدد الصوتيات التي وزعها مقربون اجتماعيا وسياسيا من الفقيد.
تقول الرواية الأمنية الأولى إنه تعرض لوعكة صحية خلال توقيفه، لكن هذه الرواية سرعان ما انهارت أمام الصور المتداولة، وسيل الاتهامات التي كالها ذوو القتيل، فهل جاءت هذه الرواية لتخفي حقيقة لم تكن الشرطة تريد ظهورها؟.
رواية الصعق الكهربائي: تتردد هذه الرواية على لسان ختار ولد الشين شقيق المتهم الذي أبلغته الشرطة بوفاته، وترى أن الآثار التي يتحدث عنها أقاربه لم تكن إلا آثار الصعق الكهربائي الذي مورس على حسد الفقيد، فمن كان في مفوضية الشرطة ليمارس على الراحل الصعق ولمصلحة من؟.
لماذا وقعت الجريمة
تتعدد التكهنات والروايات بشأن جريمة مساء الخميس، وبين الفرضيات المتعددة يمكن الحديث عن:
شجار بين الراحل وعنصر قيادي في المفوضية أدى إلى إفراط المعني في استخدام العنف، وربما الاستعانة بعناصر آخرين لإذلال الموقوف، وهو أسلوب يقال إنه شائع الاستخدام في تعامل الشرطة مع الموقوفين وخصوصا في قضايا غير سياسية ولا حقوقية.
ويبدو هذا الاحتمال الأقوى، ومن بين المعلومات المتداولة في هذا السياق أن المتوفى تلقى صفعة من أحد عناصر الشرطة، ليرد عليها بقوة، وهو ما دفع عناصر الشرطة إلى تكبيله بالقيود والانهيال عليه بالضرب، وتبدو هذه الرواية المتداولة على بعض صفحات الفيسبوك، متناسقة مع ما ينسب إلى الفقيد من صور تظهر آثار تعذيب.
استخدام الجهة الدائنة لعناصر أمنية من أجل إرغام الموقوف على الإقرار أو إذلاله، وهو أسلوب أيضا يرى البعض أنه بات شائعا في تعامل مرتادي المفوضيات في قضايا ذات بعد جنائي، وتتعدد قصصها بشكل متزايد.
فرضية ثالثة تحدث عنها مقربون اجتماعيا من الفقيد وفيها أن مواقفه السياسية الأخيرة تجاه بعض النافذين وتعهده بالوقوف أمام "أصحاب السوابق" قد يكون هوما دفع به إلى هذا المصير.
أوراق فقدت تأثيرها في حادثة القتل:
دخل ملف الراحل الصوفي ولد الشين كل مجالات التداول سياسيا وأمنيا، وقرع بقوة وحسم مصداقية الأمن الموريتاني، رغم أن هذا الملف فقد ورقتين أساسيتين كان بالإمكان استخدامها ضد النظام وهما:
الورقة الشرائحية: حيث أن الملف في كل تفاصيله يقع داخل شريحة واحدة ينتمي إليها الدائن والمرحوم المدين، ومن تشير إليهم أصابع الاتهام إليهم في الإفراط في استخدام العنف.
ورقة التصفية السياسية: خصوصا أن الراحل ينتمي إلى الأغلبية، ويستخدم خطابا سياسيا مرغوبا ومطلوبا لدى النظام ويسعى إلى ترسيخه.
قتل داخل مؤسسة الأمن
أوامر رئاسية بفتح تحقيقين أمني وطبي من أجل الوقوف على الحقيقة، حيثث أصدر الرئيس الغزواني أمره إلى وزيري الداخلية والصحة، بإجراء تحقيق فوري وشامل ومقارنة النتائج.
وتتحدث المصادر المتعددة عن إيقاف عناصر الشرطة المداومين في زمان ومكان الجريمة، حيث يخضعون لتحقيق مكثف، وفقا لبعض المصادر.
فيما تحدثت مصادر أخرى أن أوامر صارمة وصلت للمفوض بعدم مغادرة مفوضيته طيلة فترة التحقيق.
ورغم أن الخيوط التي بدأت تتجمع بيد المحققين، بدأت تضيق دائرة الاشتباه في فرضية وعناصر محدودة، إلا أن الأمر يمثل هزة قوية للنظام الذي يسعى إلى تلطيف علاقاته مع المواطنين، ولا يبحث عن أزمات جديدة.
ويتحدد سقف الحرج في مستويات متعددة:
إعادة الجدل حول سلوكيات الشرطة بعد ان استطاعت خلال السنتين المنصرمتين كسب رهان التصدي للجريمة، وتقليل نسبها مع توجه إلى استخدام وسائل أكثر تقنية في محاربة الجريمة
وضع النظام أمام تحد الصرامة بإقرار العقوبة المناسبة للمتهمين المفترضين إذا ثبت تورط عناصر شرطة في الجريمة المروعة، فهل سيقدم النظام على إنفاذ القانون بما يقتضي من قصاص أو سجن وفصل.
من جهة أخرى، جاءت هذه الجريمة وقضية الطالب المتدرب في الكلية البحرية لم تضع أوزارها، مما يسبب حرجا كبيرا للنظام.
أن وعود النظام السابقة بتنفيذ صحح القانون في حق عدد من الجناة الساديين، لم تتحقق، ولم تنفذ.
لكن هذه الأزمة تفتح أمام النظام أيضا فرصة لإعادة ترتيب بيته الأمني، وتصفية العناصر التي تتهم بخرق القانون وانتهاج ممارسات لا أخلاقية تميل إلى العنف غير المشروع تارة، وتارة أخرى إلى تشتيت جهود محاربة الجريمة، بانغماسها في يوميات لا تناسب الجدارة والجاهزية.
الأكيد أن الرئيس ووزير داخليته، والمدير العام للأمن ليسوا جاهزين، في هذا الوقت ولا في غيره، لتتصدع رؤوسهم بمثل هذه الجريمة، فلا هذا ظرفها الزماني ولا ذاك مكانها.